إيران تلقي الكرة في الملعب الأميركي…
رنا العفيف
مفاوضات قطعت أشواطاً مهمة، وتمّ الاتفاق فيها على أكثر من تسعين بالمئة، مما ينبغي التفاهم عليه، وتباينات من وجهتي لانظر الإيرانية والأميركية في عدة قضايا لا تزال عالقة، بالرغم من «مرونة» الطرف الأميركي، ومقترحات جمة تدخل حيّز التشاور، فيما تصريحات بين الانقسام والتضارب لا تزال في طور التقييم، ناهيك عن انزعاج «إسرائيل» من التطورات الحاصلة حول المشروع النووي؟
كيف نفهم موقف التضارب في تصريحات الخارجية الأميركية عندما قالأحد الناطقين باسمها إنه تمّ حلّ القضايا الكبرى في الاتفاق، وقال ناطق آخر إننا لا نزال في طور التقييم! ولماذا علامات الإرباك الأميركي بالرغم من وجود دلالات تفاؤلية للوصول إلى الاتفاق، وماذا عن الخطوط الحمر والمعادلات التي وضعها الإيراني، خصوصاً إذا كانت وجهة التقارب بين الطرفين الإيراني والأميركي أقرب إلى الفرصة أو أنها متساوية كحدّ أقصى؟ وكيف نقرأ المشهد «اسرائيلياً»؟
مجدّداً إيران تقول كلمتها حيث ألقت الكره في الملعب الأميركي بذكاء، حيث قالت لا موافقة على المقترح الأوروبي ولا رفض له، والجميع ينتظر ردّ واشنطن التي ربما تعود للاتفاق، ونقول هنا ربما تعود، لأن على ما يبدو واشنطن وإدارة بايدن تحديداً يعيدون حساباتهم في مسألة المفاوضات، وهذا من خلال الحديث عن واقع حملة الضغوطات القصوى ضدّ إيران كما يتحدثون، وأميركا تقول إنها فشلت بذلك وهي ترغب بسياسة التصحيح ونأمل بأن تأخذ هذه الخطوة الجدية بعد أن أدرك بايدن خطأه الفادح بالانسحاب منذ توليه المنصب، وأيضاً هنا نتحدث عن المقترح الأوروبي الذي قدّمه لإيران بشأن المفاوضات، إذ لا يوجد هناك موافقة إيرانية عليه، لأنّ إيران ربما لديها بعض الملاحظات، وهذا يعني أننا وصلنا على أعتاب الفرص بأعلى المستويات وقد تكون النهائية، لطالما المطالب التي امتلكتها إيران هي مطالب محقة، توجد فيها خيارات استراتيجية دقيقة، تؤكد بها على التزام واشنطن، وهذا حقّ إيران بعد أن رأت تصرفات واشنطن السابقة المفعمة بالانسحاب والتنصل، وهذا ربما ليس فقط للإدارة الحالية وإنما المستقبلية أيضاً، وهي بذلك تقوم بعملية أشبه بتذليل العقبات، وبالتالي تكون أكدت أنّ ما حصل في عام ٢٠١٨ لن يتكرّر، وبين هذه الملاحظات كانت هناك تصريحات للخارجية الأميركية لافتة تقول بأنّ القضايا الكبرى في الاتفاق تمّ حلها، وبعد قليل تراجعت وقالت بأنها لا تزال في طور تقييم الردّ الإيراني وستتشاور مع شركائها الأوروبيين؟ هنا يبدو أنّ هناك تفاصيل صغيرة ربما تربك الولايات المتحدة، لأنّ التصريح استوقفنا عند عدة نقاط او مسائل أساسية، تعوّل إحداها على بعض التقارير المتضاربة، ما بين اتفقوا على الأطر الأساسية حول ما يجب أن تقوم به إيران، وبين ما قد يكون هناك جداول زمنية غير مفتوحة تتضمّن تفاصيل التطبيق ليتمّ التوصل إلى حلّ نهائي يرضي جميع الأطراف، إذ يربك هذا الأمر واشنطن، والأهمّ من ذلك كيف سيعملون على حلّ التفاصيل إذا لم تتوافق كلّ الشروط المطلوبة؟ طبعاً هناك تحفظات كثيرة، ولكن بناء على التكهّنات والتعليقات ربما سيتوصل الطرفان إلى اتفاق بما أنّ الوسيط الاوروبي يدفع باتجاه عملية الإلحاح ويحاول تقديم أفكار أوروبية بناءة ترضي جميع الأطراف من أجل المضيّ قدماً لعودة واشنطن، والأهمّ من كلّ هذا هو ردّ واشنطن، قد يتساءل البعض لماذا لم يتمّ الإعلان للتوصل إلى اتفاق إذا كان الردّ الإيراني بناء كما يقول الأوروبي، طبعاً الأوروبي وسيط هنا وليس جزءاً من الاتفاق لذا نعوّل على الردّ الأميركي هنا أكثر، لأنّ الموقف الاوروبي وكأنّ هناك تمايزاً على الموقف الأميركي، أيّ في وقت يقول الأوروبي إنّ الردّ الإيراني بنّاء، نلاحظ أيضاً أنّ روسيا تعلق بإيجابية على الردّ الإيراني وتقول إنه بنّاء، بينما واشنطن لا تزال تقول إنها في قيد التشاور بالرغم من أنها قالت إن القضايا الكبرى في الاتفاق قد حُلت.
وبالتالي رغم كلّ السرية التامة البعيدة عن الإعلام يحاول الاتحاد الاوروبي لمّ شمل جميع الأطراف للتوصل إلى حلّ قبيل الشتاء القارص الذي ينتظر دوله، وتبقى الأمور في غموض مربك إزاء التناقضات في التصريحات، في حال لم تلتزم واشنطن قد تكون هناك مواجهة غير مباشرة، قد تؤثر على المستوى الدولي، وعليه الكلّ يريد الحصول على ضمانات لأنّ هذه المرة غير سابقاتها حتى ولو رحّبت الخارجية الأميركية في خطة العمل المشتركة، في المقابل وبحسب الجانب الإيراني تحاط المحادثات النووية بالكتمان، ويحرص الطرفان على عدم البوح بجزئياتها، والواضح مبدئياً هو الردّ الإيراني على مقترح أوروبا، المتعلق بتعديل بنوده الثلاثة التي تبرز فيها مسألة الضمانات بعدم انسحاب أميركا من أيّ اتفاق مقبل، وهذا يمثل أحد الخطوط الحمر لدى إيران، إضافة لإغلاق ملف طهران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يبقى عائقاً في ظلّ إصرار إيران على ذلك، وتؤكد أميركا في الوقت ذاته، أنّ إجابة طهران على أسئلة الوكالة يعتبر مفتاح الحلّ السياسي، وهذا كله قد لا يمثل تسعين في المئة للتوصل الى حلّ، وإنما خمسين بالمئة لتبقى الخمسين الثانية هي أقرب الى الاتفاق أولا،، وبهذا تكون إيران فرضت معادلة ترسيم حدود لتستفيد منها على الصعيد الدولي ضامنة خطوطها الحمر…
وفي ما يتعلق بالانزعاج «الإسرائيلي»، علق مسؤولون بالشأن العسكري عبر توتير في موقع «والاه» الإسرائيلي» بأنّ «إسرائيل لن تجلب الهدوء على خلفية تطور المفاوضات بين إيران والولايات، وأنّ الإيرانيين يسحبون الأميركي بأنفه ببراعة، وهذه هي الطريقة التي لا تقدم بها الولايات…» ربما قد تقدم «إسرائيل» على مغامرة في حال تمّت التسوية والاتفاق بنجاح، وهذا ما سيصيبها بهستيريا أو قد تصاب بالجنون ونرى ردود فعل هنا أو هناك…