لماذا موارد «إسرائيل» الغازيّة والنفطيّة رهينة بيد المقاومة؟
د. عصام نعمان*
لا غلوّ في القول إنّ سؤال الساعة في «إسرائيل» هو: كيف ننقذ منصّات الغاز والنفط العاملة على طول الساحل من دون ان نعطي حزب الله فرصةً لإعلان نصرٍ مدوٍّ علينا؟
مردُّ القلق انّ «إسرائيل» كانت أعلنت اعتزامها استخراج الغاز في مطالع شهر ايلول/ سبتمبر المقبل من حقل كاريش الواقع ضمن المنطقة المتنازع عليها على الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، الأمر الذي حمل امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على الردّ بأنّ «المقاومة ستدمّر المنصات الإسرائيلية العاملة في منطقة حقل كاريش وما بعد ما بعد كاريش».
فوق ذلك، شفع السيد نصر الله تهديده بالتأكيد على أنه لا يكفي أن تعلن «إسرائيل» تنازلها عن «حقوقٍ لها مزعومة في البلوك 8 الذي يتضمّن حقل قانا وكذلك امتناعها عن استخراج الغاز من حقل كاريش قبل إنهاء النزاع بشأن ترسيم الحدود البحرية، بل يقتضي أيضاً إعطاء ضمانات موثوقة من جانب الولايات المتحدة الأميركية برفع الحظر الذي فرضته على شركات الحفر والتنقيب الراغبة في التعاقد مع لبنان للتنقيب عن الغاز والنفط في مياهه الإقليمية الممتدة من شمال البلاد الى جنوبها، وفي حال امتناعها فإنّ المقاومة لن تكتفي بقصف حقل كاريش بل ستدمّر منصّات الغاز والنفط العاملة على طول الساحل الفلسطيني المحتل.
«إسرائيل» باتت فعلاً في ورطة. فهي تُدرك انّ السيد نصرالله جادٌ في تهديده، وتخشى تالياً خسارة عائداتها الهائلة من الغاز والنفط كما تتخوّف من مغبة تداعياتٍ شتى أبرزها:
ـ مضاعفات اضطرارها لقطع توريد الغاز الى مصر وانعكاس ذلك سلباً على شراكةٍ معها لاستثمار مكامن الغاز في الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط.
ـ خسارة فرصة توريد الغاز الى دول أوروبا نتيجةَ قطع الغاز الروسي عن بعضها وخفضه لبعضها الآخر.
ـ محاذير مطالبة الشركات العاملة معها بتعويضات جرّاء تأخير استخراج الغاز من حقل كاريش من جهة، ومن جهة أخرى مطالبتها بضمانات بشأن عدم قيام حزب الله بشنّ ضربات في المستقبل تستهدف المنصّات التي تقوم بتشغيلها.
ـ محاذير تقديم تنازلات للبنان (وللمقاومة) عشيةَ الانتخابات التي تجري في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل وانعكاسات ذلك على الصراع السياسي بين الأحزاب الصهيونية المتنافسة.
ـ المخاطر الناجمة عن التنازلات المزمع إعطاؤها للبنان ما يتيح فرصةً لحزب الله لإعلان انتصار مدوٍّ على «إسرائيل» والولايات المتحدة معاً.
حكومتا «إسرائيل» والولايات المتحدة تعلمان أنه بات محكوماً عليهما تقديم تنازلات محسوسة للبنان (وللمقاومة) لإنقاذ موارد الغاز والنفط المستمدّة من فلسطين المحتلة براً وبحراً، لكنهما منهمكتان في إخراج تسويةٍ تتيح إرجاء إعلان التنازلات المطلوبة الى ما بعد انتهاء الانتخابات «الإسرائيلية» والأميركية، وعدم تمكين المقاومة من اكتساب سمعة مدوّية نتيجةَ دورها الفاعل واللافت في إرغام الكيان الصهيوني، كما الولايات المتحدة، على تقديم تنازلات وازنة للبنان والمقاومة في هذه المواجهة.
إذ تبدو موارد «إسرائيل» الغازية والنفطية رهينةً بيد المقاومة، ينهض سؤال حول كيف يمكن ان يتصرف لبنان في حمأة المفاوضات والضغوطات التي ستمارس عليه للقبول بتسويةٍ للنزاع قبل مطالع شهر ايلول/ سبتمبر المقبل في وقتٍ تحتدم فيه الصراعات حول تحدياتٍ يواجهها ومصاعب شتى يعانيها لا سيما ما يتعلّق منها بمسألة الانهيار المالي والاقتصادي وتسبّبه بتعميق الضائقة المعيشية، كما بمسألة تأليف حكومة جديدة قبل انتهاء مهلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل واحتمال حصول فراغ رئاسي بعد ذلك التاريخ.
معارضو الرئيس ميشال عون وتياره السياسي، كما معارضو حزب الله وسلاح المقاومة، يحثّون الولايات المتحدة (و»إسرائيل» ضمناً) على عدم الإعلان عن تسويةٍ للنزاع على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة قبل 31 أكتوبر المقبل، وإنْ كانوا لا يعارضون بالضرورة مضمون التسوية الجاري العمل على هندستها وإخراجها، ذلك أنّ همّهم الرئيس هو الحؤول دون ان يترسمل عون وحزبه من جهة وحزب الله من جهة أخرى على النصر الناجم عن إبرام التسوية المرتقبة لتعزيز مصالحهما السياسية في هذه المرحلة الدقيقة.
أكيد أنّ الولايات المتحدة، ومن ورائها «إسرائيل»، حريصتان على دعم حلفائهما في لبنان ــ أصدقاء معظم دول الخليج ودول حلف شمال الأطلسي ــ لكنهما أحرص بطبيعة الحال على مصالحهما السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى. لذا من المبكر الجزم بما سيكون عليه موقفهما قبل مطلع أيلول/ سبتمبر المقبل.
أما حزب الله فقد أعلن يوم السبت الماضي بلسان السيد حسن نصرالله أن لا رابط بين مفاوضات فيينا النووية وقضية ترسيم حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة. فسواء تمّ إحياء الاتفاق النووي ام لم يتمّ فإنّ لبنان والمقاومة سيبقيان على موقفهما بشأن مسألة الحدود البحرية والحق في التنقيب عن النفط والغاز في كامل المياه الإقليمية حسبما تحدّدها الحكومة اللبنانية، وإذا لم تتراجع «إسرائيل» «فإننا ذاهبون حتماً الى تصعيد».
وعليه، إذا لم تتراجع «إسرائيل» وتقدّم «التنازلات» المطلوبة، فإنّ مواردها الغازية والنفطية ستبقى رهينةً بيد المقاومة.
*نائب ووزير سابق.