أميركا تدفع في اتجاه حرب عالميّة ثالثة…!
د. جمال زهران*
المتابع للأحداث والوقائع في البيئة العالميّة.. يلاحظ أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحت قيادة الرئيس (جو بايدن)، تختلق الأحداث للدفع بالعالم نحو حرب عالمية ثالثة، تجني من ورائها المكاسب، وتدفع أقلّ التكاليف، وتقضي على الخصوم، وتستعيد زمام الأمور بالسيطرة على النظام العالمي بما يجعل القرن الحادي والعشرين، هو القرن الأميركي بلا منازع، حيث تختفي الأقطاب الأخرى، كما خطّطه استراتيجيو الولايات المتحدة في بعض تقاريرهم الصادرة عن مؤسسة «بروكنغز»، وهي المؤسسة الموجودة في واشنطن العاصمة، والتي زرتها أثناء عملي في جامعتي جورج ماسون وجون هوبكنز (فرع واشنطن المجاور لهذه المؤسسة)، وتعمل ليل نهار لتقديم النصائح عبر تقاريرها للإدارة الأميركية الحاكمة أياً كانت ديموقراطية أم جمهورية!!
فما هي هذه الوقائع التي تختلقها أميركا، وتدفع من خلالها العالم نحو حرب عالمية ثالثة مرتقبة؟ الإجابة تتلخص في ما يلي:
أنّ الولايات المتحدة، اختلقت دفع أوكرانيا، ورئيسها الممثل الفاشل، إلى التحرّش بروسيا، وإعلان الإصرار على الانضمام إلى حلف الأطلنطي، والاتحاد الأوروبي، وبالتالي يصبح الحلف على حدود روسيا مباشرة، ويهدّد أمنها القومي. وتصبح روسيا أمام خيارات صعبة، إما القبول بهذا الخيار فتظهر روسيا في صورة الرجل الضعيف الاستسلامي والانبطاحي أمام أميركا أصلاً، وأوروبا بالتبعية، وعليها تنفيذ شروط المنتصر ودفع الثمن لهذا الخيار. وإما أن ترفض ذلك بشكل واضح فيكون عليها التدخل العسكري لإثبات الوجود، والدخول في مرحلة ما بعد التدخل، وفرض العقوبات الغربية على روسيا، والوصول إلى مرحلة الإضعاف العمدي لروسيا، وكلها خطوات متتابعة…
واستهدفت الولايات المتحدة إدخال كلّ من روسيا وأوروبا مرحلة الضعف وتراجع القوة والمكانة، وتتظاهر أميركا بأنها داعمة لأوكرانيا وأوروبا، ولكنها تخرج منتصرة على الطرفين، واحتمالات الوصول إلى مرحلة المواجهة الشاملة، وبدء حرب عالمية لا يُعرف مداها!!
تلك هي الاستراتيجية الأميركية كما خططت لها في منطقة أوروبا والصين، وقد لا تكون مدركة لمخاطر ذلك مستقبلاً، لكنها الحسابات الأميركية من بُعد جيواستراتيجي له أكبر التأثير في صياغة استراتيجيتها!
فيما لم تهدأ الأمور في أوكرانيا، ولا تزال الحرب مستعرة، والتداعيات خطيرة على أوروبا والعالم، ووصلت الأمور إلى ضرب محطة نووية (زابوروجيه)، يتبادل الطرفان (الروسي والأوكراني) الاتهامات بضربها، فإنّ الولايات المتحدة ذهبت إلى «تايوان»، للتحرّش بالصين الشعبية!
فقد تابعنا زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، وهي شخصية «ديموقراطية»، وتتسم بالقوة وتابعنا مواقفها في مواجهة إدارة ترامب، إلى جزيرة تايوان، على الرغم من تهديدات الصين وتصريحاتها القوية، إلا أنها لم تخضع، ولم تتراجع عن الزيارة، وأصرّت على إتمام زيارتها بتنسيق مع إدارة بايدن، الذي تبرّأ من الزيارة بعد ذلك، وفي ظلّ حماية رتل من الطائرات العسكرية الحربية الأميركية…
وفي المقابل فإنّ الصين كان لها ردود أفعال، بإطلاق الصواريخ إلى حدود تايوان، وإجراء المناورات العسكرية من كل جانب حول تايوان، وأعلنت أنها لن تقبل بتغيير الوضع في تايوان، ولا تراجع عن سيادة الصين على الجزيرة، في الوقت ذاته الذي أعلنت روسيا مساندتها للصين، ضدّ الولايات المتحدة، فضلاً عن إعلان أكثر من (170) دولة مساندة الصين وتأييد الصين واحدة تشمل تايوان!
وظاهرياً، فقد حققت أميركا مرادها، بإتمام الزيارة دعماً لتايوان، وأنها لا تتخلى عن دعم حلفائها، لكن في الواقع، لم تحقق إلا شكلاً زائفاً، بينما تحركت الصين، وحاصرت تايوان، حتى الشكوى، وعاقبت تايوان، ولا تزال الأمور تسير إلى تصعيد، وقد تسفر عن سيطرة صينية عسكرية على تايوان، وتصبح في مهبّ الريح في حالة استنزاف لقوة الصين بعد تدخلها العسكري في تايوان، مثلما حدث لروسيا في أوكرانيا، حسب التقديرات الأميركية!!
بهذه التحرّشات، والتفكير العدواني الأميركي تجاه العالم والقوى الكبرى، فإنّ النظام الدولي القديم في طريقه إلى الزوال، وسط إعادة بناء وهيكلة لنظام جديد، تهيمن عليه روسيا والصين، مع انحسار أميركي، وتدهور أوروبي، يصل إلى مرحلة الاختفاء والانزواء القسري. إنها أميركا التي تسعى لمصلحتها على حساب الجميع، بغضّ النظر عما إذا كان ذلك قد يؤدّي إلى حرب عالمية ثالثة…!
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.