سميح القاسم وموسيقى البحر والجبل
حمزة البشتاوي
تجلت موسيقى البحر والجبل في شعر سميح القاسم كما تجلت الأمكنة، وخاصة مدينة القدس (بروج الحمام، القباب) ومدينة عكا (الفنار، الشاطئ، شباك الصيد، القارب، القلعة، الموج) إضافة للقرى والبيوت التي كسروا قنديلها.
وكان لموسيقى البحر والجبل التأثير الكبير على شخصيته وشعره الذي كان يوظف فيه مختلف البحور الشعرية انطلاقاً من الحالة النفسية والشعور الذي ينتابه ليحقق جملة وصورة شعرية تحمل أبعاداً نفسية واجتماعية ووطنية محمولة على قافية يرن صداها ما بين البحر والجبل بنظام موسيقي هادر كصوت بحر عكا ومتين كأسوارها.
وعكا هي المدينة التي كان سميح القاسم دائم الحضور فيها يحتسي القهوة في مقاهيها ويأكل السمك في مطاعمها ويتمتع باللحظات الجميلة على شاطئها وبين أزقتها وخاناتها ويرفع هامته العالية على أسوارها، وكان يشارك في الكثير من الأمسيات والمهرجانات التي تقام فيها، وفي إحدى زياراته لها وهو في ذروة تدهور حالته الصحية قال لأحد أصدقائه: هواء عكا يشفي أكثر من أيّ دواء وهي مدينة طافحة بالأناشيد والكبرياء، وما أنا إلا شاعر بسيط متيّم بالموسيقى والغناء.
وكان سميح القاسم يفضل أن يكون شاعر الحب والموسيقى بعيداً عن الألقاب الكثيرة التي أطلقت عليه مثل شاعر المقاومة وشاعر القومية وشاعر العنف الثوري وشاعر الملاحم وشاعر المواقف الدرامية وشاعر الصراع، وهي ألقاب كان يتلقاها بابتسامة ساخرة حتى قال (لو رأوني أسبح في بحر عكا لقالوا شاعر المحيطات).
وبجدية فائقة كان سميح القاسم يتمتع بنظرة ثاقبة في السياسة والحياة والواقع والمجاز ومن هذه النظرة الجادة أوصى الجميع بالشعر والأرض قبل أن يستلقي على سفح جبل حيدر كي يبقى حاضراً كالشمس والأزهار والضوء والحرية وهو الذي اختار بنفسه أن يُدفن في هذا المكان ليسكن في مقام (راحة الأرواح) وليقول لنا: ليس لديّ ورق وقلم لكنني من شدة الحر ومرارة الألم يا أصدقائي… لم أنم.