مقاومة التّطبيع تسقط رعايته
شوقي عواضة
ثمّة أبطال مقاومون لم يحملوا بندقيّةً ولم يطلقوا رصاصةً ولم يخضعوا لدوراتٍ عسكريّةٍ استطاعوا أن يهزموا الكيان الصّهيوني المتغطرس بكلّ تقنياته وأدواته وترساناته العسكريّة وجيشه (العتي) وجيوشه الإلكترونيّة. بعض أولئك الأبطال النّاشئين في عالم الرّياضة والعمالقة والمردة في مقاومة التّطبيع وعدم الاعتراف بالكيان الصّهيوني ووجوده كالبطل شربل أبو ضاهر الذي رفض مواجهة خصمه (الإسرائيلي) في بطولة العالم للفنون القتاليّة المختلطة في أبو ظبي لتحذو حذوه في الموقف البطولي والوطني بطلة لبنان في الشّطرنج ناديا فواز على أثر رفضها مواجهة لاعبٍ (إسرائيليٍّ) في الجولة الرّابعة من مهرجان أبو ظبي الدّولي الرّابع المفتوح.
أشبال في الرّياضة هزَموا العدوّ الصّهيوني برفضهم مواجهة ممثليه فاستحالوا أسوداً وليوثاً وأبطالاً مقاومين، لربما خسروا ميداليات لكنّهم فازوا بميداليّة الوطن الذي توّجهم مقاومين وأحراراً وكأس الأمة التي يشكّلون أملها في المستقبل، فشربل أبو ضاهر فاز بالضّربة القاضية على عدوّ الله والإنسانيّة قبل أن يكون عدوّ لبنان، أسقط شربل بضربته القاضية شرعيّة الكيان الصّهيوني المحتلّ لفلسطين.
مضى ويحرسه ذاك الطّفل الآتي من مغارة الحليب في بيت لحم ثائراً لأمّه مريم فكان أصغر الرّجال وأكثرهم حبّاً وولاءً للبنان والأكثر شرفاً من أشباه الرّجال المطبّعين والمدافعين عن عملاء وقتلة لا مبعدين و»إسرائيليين» يتباهون بجنسيّتهم (الاسرائيلية) ويفتخرون بانتمائهم لجيش العدوّ «الإسرائيلي» ويقاتلون في صفوفه ويعملون ضمن منظومته الأمنيّة والعسكريّة.
ذلك العدوّ الذي لم تقتصر مواجهته على الحروب الميدانيّة بل اتخذت أشكالاً متعدّدةً منها السّياسيّة والعسكريّة والأمنيّة الاقتصاديّة والثّقافيّة والرّياضيّة والتّراثيّة وغيرها من المجالات الكثيرة التي نشهدها لتمتدّ أذرع هذا الكيان السّرطاني المؤقّت لسرقة واغتصاب كلّ ما يمكن اغتصابه من حقوقٍ ماديّةٍ أو معنويّةٍ للعالمين العربيّ والإسلامي في حروبٍ لا تقلّ أهميّةً عن المواجهات العسكريّة والأمنيّة سعياً لتحقيق مجموعةٍ من الأهداف تتلخّص بما يلي:
1 ـ تجميل صورة الكيان الصّهيوني وتقديمه بصورةٍ إنسانيّةٍ حضاريّةٍ وراقيةٍ معاكسة لواقعه الإرهابي والدّموي الذي قام عليه تسهيلاً لعمليّة صفقة القرن.
2 ـ فصل القضية الفلسطينيّة وعزلها كقضيّةٍ رئيسيّةٍ أجمع عليها العرب والمسلمون وشقّ الصّف بينهما واعتبارها قضيةً فلسطينيّةً داخليّةً.
3 ـ غزو الدّول والشّعوب والمجتمعات ثقافيّاً تحت مسمياتٍ مختلفةٍ لترسيخ فكرة تقبّل الكيان الصّهيوني وبالتالي فرض ثقافته (الغزو الثّقافي).
4 ـ تدمير مجموع القيم الإنسانيّة والدّينيّة الإسلاميّة والمسيحيّة والقيم الأخلاقيّة والمجتمعيّة من خلال طرح الثّقافة الصّهيونية كبديلٍ ثقافيٍّ (منفتحٍ وحضاريٍّ).
5 ـ التّسليم بشرعيّة الكيان وبشرعيّة كلّ ما يقوم به من جرائم وما يرتكبه من مجازر بحقّ الشّعب الفلسطيني ومصادرة أراضيه.
6 ـ سيطرة الكيان الصّهيوني على مقدّرات الدّول العربيّة والإسلاميّة المتعدّدة وإدارتها من الألف إلى ياء الاستعمار والاحتلال بصورةٍ (سامية) والتّحكّم بها وسرقة ثرواتها
رغم كلّ الدّعم الغربي للكيان الصّهيوني وفي مقدّمته الدّعم الأميركيّ والبريطاني ورغم كلّ ما يمتلكه من إمكانيّاتٍ وأدواتٍ يسخّرها لحروبه العسكريّة وغزواته التّطبيعية المتعدّدة الأوجه في ظلّ هرولة بعض أنظمة الخليج للتّطبيع والتّسريع في صفقة القرن ورغم عدم الاعتبار من تجارب الدّول المطبّعة مع الكيان الصّهيوني مثل مصر والأردن لا يزال يصرّ البعض في لبنان على انّ التطبيع هو الخلاص للبنان، وتحت هذا العنوان يتسابقون في التهجّم على المقاومة وسلاحها واعتبارها سبباً لكلّ ما حلّ من فسادٍ ومآسٍ في لبنان تلك المقاومة الفريدة بحالتها حيث انتصرت ولم تحكم على خلاف ما قامت به كلّ حركات المقاومة عبر التاريخ وبالأخصّ المقاومة الفرنسيّة التي أعدمت آلاف العملاء ميدانيّاً دون أيّة محاكمةٍ وحكمت فرنسا وقدّمت للعالم صورة فرنسا القوية. أمّا في لبنان الذي لم تحاكِم فيه المقاومة عميلاً قاتلاً ولم تعنِها السّلطة في أيّ وقت من الأوقات، كان همّها الأوحد مواجهة العدو الصّهيوني والتّكفيري وحماية للبنان ووحدته تلك المقاومة التي أنجزت انتصاراتٍ بثلاثيّة الجيش والشّعب والمقاومة والتي أصبحت أحد أهمّ عناصر قوّة لبنان الذي يريد البعض إعادته لقاعدة (قوّة لبنان في ضعفه) لم ولن يدركوا بأنّ هذه المقاومة العابرة للطّوائف باقية مهما بلغت مؤامراتهم، ولن يفقهوا بأنّ تلك المقاومة التي هزمت العدوّ وداست رأسه لن تهزّها أدوات العدو وأذنابه المباشرة وغير المباشرة. وعليهم أن يقرّوا بأنّ تلك المقاومة ما شابت ولا وهنت في أربعينها بل اشتدّ عودها وباتت أصلب وأقوى وأشدّ من أيّ زمن مضى وهي مقاومة كلّ لبنان، وما موقف البطل شربل أبو ضاهر والبطلة ناديا فواز إلّا موقف لبنانيٍّ أصيلٍ مقاومٍ لا يمكن أن يندرج إلّا في إطار مواجهة هذا العدوّ، فليأخذ الحكمة والعظة من يدّعيها من شربل الذي تحوّل إلى أيقونةٍ لأجياله من الأحرار ومن ناديا التي قالت بموقفها كش للصّهيوني وكش للمطبّعين والعملاء ولمن يدافع عنهم ليبقى الموقف سلاحاً والمصافحة اعترافاً ولتبقى الحياة وقفة عزّ فقط…