“إسرائيل” كلب صيد أميركيّ ينبح كثيراً وينتظر عظمة
ناصر قنديل
ــ ليس التشبيه بين كيان الاحتلال وكلب الصيد بقصد الإهانة، لأن الإهانة تقع على الكلب هنا، بل الهدف هو إظهار غياب الأهلية التي تتيح التحدث عن حسابات واستراتيجيات خاصة بالكيان في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني قادرة أن تحدث فرقاً، فعندما تكون الحرب فوق طاقة أميركا، أي أميركا والكيان وكل حلفاء أميركا في المنطقة، فهي حكماً فوق طاقة الكيان منفرداً، والتلويح بها أو التهديد بأن “إسرائيل” لن تكون طرفاً في الاتفاق النووي، مجرد كلام بلا وظيفة ذات معنى، لأن “إسرائيل” أصلاً ليست طرفاً في الاتفاق، وليس هناك من يدعوها لتكون طرفاً، أما الحرب التي كانت موضع حساب إيرانيّ عندما كانت “إسرائيل” في ظلال المواجهة مع أميركا، سينخفض سقف حساباتها الإيرانية، بغياب هذه الظلال، والذي يجب أن يخشى الحرب، وهو يخشاها فعلاً، ولو تحت عبارات رنانة، هو الجانب الإسرائيلي.
ــ السير الأميركي نحو الاتفاق يحتاج إلى إظهار درجة من التفاهم مع قادة الكيان، لاعتبارات أميركية داخلية، وليس لاعتبارات تتصل بموقع الكيان في الاتفاق وتطبيقه. الاستهدافات الإسرائيلية الأمنية داخل إيران وخارجها كانت فصلاً من الحرب الأميركية غير المعلنة على إيران، والموقعة أفعالها بتوقيع إسرائيلي، تماماً كما يشكر الصياد كلبه ويلقمه عظمة ويوحي أنه صاحب الفضل في النيل من طريدته، ويكون الصياد هو من اصطاد الطريدة. والملفات التي تهم أمن “إسرائيل”، وكانت ولا تزال موضع التزام أميركي، يعلم الأميركي والإسرائيلي انها ليست على طاولة التفاوض، خصوصاً البرنامج الصاروخي الإيراني ودعم إيران لحركات المقاومة، وهما ما تقول قيادة الكيان إنهما أكبر الرابحين من تحرير الأموال الإيرانية، بما يوجب تزويد الكيان بوالص تأمين إضافيّة في مواجهتهما. وهذا يعني المزيد من المال والسلاح، أي عظمة دسمة لكلب الصيد، استجابة لارتفاع النباح.
ــ الطريق إلى الاتفاق متعرّج، لكنه يبدو سالكاً، رغم الوقت والمطبات، لكن عندما يقول الأميركي علناً أن إيران قدّمت تنازلات مهمة، ولا تعلق إيران بالنفي، فهذا يعني اننا دخلنا مرحلة الإخراج، وبتقنيات إخراج المفاوضات هذا يعني أن إيران نالت ما تريد، وأنها اتفقت مع واشنطن على مساعدتها بالتواضع في إظهار المكتسبات وترك واشنطن تتباهى بالعكس لتضمن تسويق الاتفاق، وعندما تقول واشنطن إن الفجوات لا تزال قائمة وتحتاج المزيد من التفاوض ثم يخرج مسؤولوها يترافعون عن جدوى الاتفاق وحيويته وأحاديثه كطريق للحؤول دون تحوّل إيران الى دولة نووية عسكرية، فهذا يعني أن الاتفاق شبه منجز، وأن ما تبقى من مواضيع تفاوضية يتصل بتمكين الخطاب الإخراجي للدفاع عن الاتفاق من امتلاك حجج قوية أميركياً على وجه الخصوص، لأن ليس لدى إيران وضع داخليّ شبيه، فإن المحافظين هم الذين يفاوضون، والإصلاحيون سوف يدعمون أي اتفاق يصلون إليه، بينما الديمقراطيون هم الذين يفاوضون على الضفة الأميركية والجمهوريون سوف يعارضون أي اتفاق يصلون إليه، ولأن خلفية التفاوض التي تسرّع التوصل إلى اتفاق محكومة بضغط الوقت الذي يعمل لصالح إيران، سواء بتقدم برنامجها النووي بسرعة نحو العتبة الحرجة، أو لتحول عودة ايران الى أسواق الطاقة وتحرير عائدات متاجرتها بالنفط والغاز، تحوّلت من جوهر المطلب الإيراني عبر المفاوضات، الى حاجة دولية أوروبية وأميركية في ضوء تفاقم أزمة الطاقة العالمية.
ــ “إسرائيل” ليست موجودة في كل هذا السياق، بل هي موجودة على لائحة اسمها الأضرار الجانبية للاتفاق، حيث تحرير الأموال الإيرانية، وعدم القدرة على وضع دور إيران الإقليمي موضوعاً للتفاوض، وهو التوصيف الرائج لدعم إيران لحركات المقاومة، وبقاء برنامج إيران الصاروخي خارج أية مفاوضات، أسباب كافية للقلق الإسرائيلي، والقلق الأميركي على “إسرائيل”، والأسئلة الكبرى حول إمكانية مواصلة المعركة الإسرائيلية بين حربين، سواء عبر الغارات على سورية أو عبر الاستهدافات داخل إيران وخارجها، ضد إيران وقوى المقاومة، في ظل موازين قوى جديدة مختلة لصالح إيران والمقاومة من جهة، ووجود اتفاق يحلّ النزاع الرئيسي بين طهران وواشنطن من جهة مقابلة. وهذا يعني الحاجة الإسرائيلية للصراخ طلباً للعناية المشددة بتزويد “إسرائيل” بمزيد من أسباب القوة، مالاً وسلاحاً، والانتباه الأميركي لإظهار عدم التخلي الأميركي عن المكانة الخاصة لـ”إسرائيل”، كما تظهر إيران المكانة الخاصة للمقاومة.
ــ الجوهري أن الزمن الذي كانت فيه “إسرائيل” لاعباً محورياً في الإقليم، وبوصلة السياسات الأميركية فيه قد انتهى، وأن الاهتمام الأميركي تحول من الاستثمار على مصدر القوة الذي كان يحمي المصالح الأميركية العليا الى كيفية تفادي إلحاق أضرار قاتلة بالكيان، الذي صار عبئاً استراتيجياً بعدما كان رأس الرمح الذي يحمي وصار الرمح المكسور المطلوب حمايته، وبات في المنطقة قطبان محوريان، أميركا وإيران، ولكل حلفاء، وربط النزاع حول حروب الحلفاء، أي الحق بدعمهم وتعزيز قوتهم، جزء من أي اتفاق، والفارق أن حلفاء إيران مطمئنون، وحلفاء واشنطن ينهش نفوسهم القلق، وفي المقدّمة منهم “إسرائيل”، سواء لأن واشنطن لم تعد الجهة الموثوقة التي تحمي ولا تبيع الحلفاء، أو لأن هؤلاء الحلفاء فقدوا القدرة على تأدية الدور الوظيفيّ الذي كانوا يتلقون الدعم لأدائه.
ــ أهم ما سيعمل عليه الأميركي والإسرائيلي خلال زيارة وزير حرب الكيان بني غانتس لواشنطن، هو كيفية تفادي مخاطر أن تواجه “إسرائيل” حروباً جديدة وتجد نفسها وحيدة، سواء في سورية، حيث التموضع التركي يقرع أجراس الرحيل الأميركي، وخصوصاً مع لبنان حيث ملف النفط والغاز العالق، وبصورة أخصّ مع إيران، حيث لا تستطيع واشنطن توفير مظلة الأبوة لأي استهداف اسرائيلي للبرنامج النووي الإيراني بعد الاتفاق، باعتباره الطريق الجديد للتعامل مع البرنامج النووي لإيران، و”إسرائيل” بلا حروب شرط لاستبعاد الخطر، لكنها “إسرائيل “ الخرساء بلا صراخ، ككلب صيد بلا نباح، حتى لو جاءته العظمة الى الخيمة، قد يموت كمداً.