السلطة الفاسدة والناس في سبات…
ميرنا عطية
في هذا الجو القاتم بالسواد، عامة الشعب اللبناني تجمعهم المعاناة والقهر وتوحدهم آثار ونتائج ممارسات سلطة فاسدة وإدارة متحللة مرفقة بعقوبات أميركية جائرة، يوحدهم موقف واحد بوجه فسادٍ دمَّر اقتصاد البلاد وأزهق أرواح العباد وأطاح بمدّخرات الناس والمال العام، تراهم يلملمون أوجاعهم وفقرهم حبّاً بالوطن وتشبّثاً بأرضه وسمائه، ورغم كلّ معاناتهم تفرّقهم الطوائف والمذهبية ويشتت صفوفهم الفساد الطائفي وحصصه، فيتحوّلون من مضطهدين مسحوقين الى مقاتلين شرسين دفاعاً عن زعيمهم الطائفي فتضيع أحلامهم وتغتال طموحاتهم وتعدم أمالهم على مائدة اللئام المسمّاة زوراً مذبح الوطن، هذا الوطن يحملون نعشه ويرقصون به، يصلُّون عليه كلّ وفقاً لطقوسه ومراسمه الخاصة.
ترى اللبنانيين لا زالوا يعيشون وكأنهم في عهد المتصرفية والقائمقاميتين أو عصر الانتداب المتعدّد الهويات والأديان، لم يشغلهم فساد الحاكم بأمره المتسلط على مال الدولة والناس رياض سلامة، ولم تحرّكهم قط أزماتهم المتراكمة من الخبز اليومي إلى الكهرباء والنفط والحاجة الملحة إلى الماء ناهيك عن الغلاء الفاحش وتدني القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، لم يلتهوا بفقدان ربطة الخبز عن اصطفافهم الطائفي وهتافاتهم التي تشق عنان السماء بالروح والدماء فداءً لـ «الزعيم»، في لبنان طيَّفوا كلّ شيء وصنفوه سياسيّاً ودينيّاً ومذهبيّاً وعرقيّاً من كيس الطحين إلى تنكة البنزين وقنينة الغاز واشتراك الكهرباء، الى ثروات لبنان الغازية والنفطية وبلوكاتها وصولاً للهواء الذي أُلبِسَ لبوس الطائفية والمناطقية البغيضة وكلّ ذلك يتمّ بموجب سياسة العمّ سام وأوامره من خلف الحدود ينقلها المندوب السامي في عوكر لأدواته وأزلامه في لبنان.
الفساد هو سلوك ترافقه مجموعة من الأعمال غير النزيهة يقوم بها بعض الأشخاص ممن يشغلون مناصب في السلطة وغيرهم في الإدارات العامة أو الشركات والمؤسسات الخاصة ومن التجار وأصحاب المهن ومن يدعمهم من خلف الستار، ولائحة أفعال الفاسدين تطول تبدأ من الرشوة والابتزاز والاختلاس والمحسوبية والاستزلام وتأثيراتها سلبية ومباشرة وطويلة الأمد تنعكس على منظومة السلطة بكاملها.
هذا الفساد يمارسه بعضٌ من علية القوم من ذوي المكانة الرفيعة في المجتمع وأيضاً ممن هم وضيعو الحال يمارسون الفساد كلٌّ من موقعه ودوره، من اختلاس للأموال العامة التي وضعت لخدمة الناس وتنمية مجتمعاتهم أو قبضٍ للرشاوى ومنحٍ للعطاءات لمن لا يستحقونها لقاء خدمات شخصية وآنية تعزز نفوذ ذاك المتسلط على الإدارة والمال العام.
أمام كلّ هذه الأعمال وما ينتج عنها من معاناة وضيقٍ وآلام ما زال الصمت المطبق من قبل عامة الناس والرضوخ للواقع الأليم سمة حياتهم هذه الأيام، ينظرون ولا يتحركون، ينظرون إلى أفعال الحكام وتخاذلهم وخوفهم وجبنهم ورضوخهم للتهديدات الأميركية بالعقوبات ولإملاءات مبعوثيها، من التسويف بموضوع الكهرباء والربط مع الأردن أو استجرار الغاز من مصر تحت حجج وأعذار واهية، وآخرها قمّة التخاذل والتراجع والجبن في موضوع الهبة الإيرانية لتشغيل محطات الكهرباء وما يمكن أن تخفف عن كاهل الناس الفقراء الملتاعين من بدَلات اشتراكات الكهرباء الجائرة ومضافاً إليها تعطيل الأعمال والدورة الاقتصادية المرتبطة بتوفر الكهرباء والطاقة، كلّ ذلك خوفاً على مصالحهم الشخصية والآنية دون النظر إلى مصالح شعبٍ مقهورٍ بأكمله، يزيد الطين بلَّةً تواطئهم مع حاكم مصرف لبنان محاباة وتواطؤاً مع سياساته النقدية التي تزيد من تخريب وتضرّر مصالح الناس الفقراء وزيادة في معاناتهم وحرمانهم من أدنى حقوقهم.
أمام هذا الواقع الأليم فإنّ المطلوب هو المزيد من الوعي والتماسك والتكافل بين أفراد المجتمع ورفع الصوت بوجه الحاكم الفاسد وكلّ أزلامه وأعوانه، المطلوب مزيد من الالتصاق بالقوى الحيَّة المخلصة والحريصة على مصالح الناس في مواجهة السلطة الفاسدة، هذه القوى التي تعمل لأجلهم ولرفع الحرمان عنهم ومساعدتهم وتخفيف معاناتهم، يبقى السؤال متى تستيقظ الناس من سباتها الطويل؟