المقاومة الشعبيّة السوريّة حقيقة قائمة
ناصر قنديل
ــ خاضت سورية خلال مواجهة الحرب التي شنت عليها بقيادة واشنطن، غمار تجارب عديدة في أشكال المواجهة، وكانت تسعى لحل معضلة كيفية بناء مقاومة شعبية قادرة على مواجهة الاحتلال الأميركي ولاحقا الإسرائيلي، دون أن تكون هذه المقاومة مجرد امتداد للدولة السورية، والجيش السوري. وقد تشكلت خلال الحرب أطر عديدة منها ألوية مستقلة شكلتها وجوه اجتماعية وقامت بتأمين تسليحها وتمويلها ونظمتها بالتعاون مع مؤسسات عسكرية وأمنية، كذلك قامت بعض المناطق التي تعرّضت للعدوان من الجماعات الإرهابية خلال الحرب بتشكيل أطر شعبية للقتال بالتعاون مع الجيش والمؤسسات الأمنية، وفي حالات ثالثة قام الجيش بتنظيم أشكال رديفة محلية، وبعضها عابر للمناطق تحوّل إلى منظمات شبه نظامية تتنقل في مناطق القتال مع المؤسسة العسكرية، هذا بالإضافة الى تشكيلات نشأت بالتنسيق مع قوى المقاومة حيث كانت تتولى مهام الدفاع والمواجهة.
ــ المقاومة السورية التي تريدها سورية وتحتاجها، ليست واحدة من هذه التشكيلات، لكنها ثمرة الخبرة والتجربة التي تقدّمها هذه التجارب، عبر الكوادر الذين نضجت تجاربهم وتبلور وعيهم وخيارهم بتشكيل إطار منظم صلب، يقاوم الاحتلال الأميركي ويتهيأ لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، ويكون شريكا في محور المقاومة، أسوة بتشكيلات المقاومة العراقية المشاركة في الحشد الشعبي، وتملك استقلاليتها في آن واحد. والعمليات التي استهدفت القواعد الأميركية في التنف ثم حقول شرق الفرات خلال الأسبوعين الأخيرين، هي ثمرة استعداد وتنظيم وتدريب وتحضير، أنتج هيكلاً قابلاً للحياة أبعد من حدود أداء مهام وظيفية تكتيكية. وهذه المقاومة هي نسيج اجتماعي ثقافي وطني سوري يقوم على الإيمان بأن طرد كل أشكال الاحتلال من الأراضي السورية يشكل الضرورة الملحة لاستكمال المشروع الوطني السوري الذي تمثله الدولة السورية.
ــ بنيان المقاومة الشعبية الوطنية في سورية، ينمو ويتطور ويتجذر ويتبلور مع التجربة. وهذا البنيان خرج الى النور بعدما بات جاهزاً للبقاء في ساحات المواجهة. والأميركيون يعترفون ببعض خسائرهم بنتيجة عمليات هذه المقاومة، لكنهم يقيمون الحساب لمواجهة غير سهلة تنتظرهم، لا تفيد عمليات القصف في وضع حد لها، لأنها تضعهم بين خيارين، الأول توسيع نطاق التورط في سورية بجلب المزيد من القوات ونشر المزيد من القواعد، والتعرض بالتالي للمزيد من الخسائر، وهو ما يتعارض مع كل النهج الذي كرّسته مرحلة ما بعد الانسحاب من أفغانستان، القائمة على معيار غير معيار التباهي والتفاخر بالنجاح الوهميّ عبر المزيد من التورط، والإقرار بالفشل لوضع حد للخسائر عندما تنعدم فرص النصر الذي يصنع الاستقرار. والأميركيون مروا في سورية في المراحل التي كان يمكن لتورطهم العسكري أن يملك ظروفاً أفضل من الآن وتهربوا من هذا التورط، سواء خلال معركة حلب أو معركة الغوطة او معركة درعا، أو عندما دعتهم تركيا لإقامة ما أسمته بالمنطقة العازلة، أما الخيار الثاني الذي يبدو حتمياً فهو الانسحاب عندما تشتد المواجهة، وتتصاعد العمليات.
ــ المقاومة السورية التي تتهيأ لفرض الإرادة الوطنية السورية بإلزام الاحتلال الأميركي بالانسحاب، تدرك أن هذا الانسحاب سيرتب تفكيك الكانتون الانفصالي الذي أقامته ميليشيا قسد تحت عنوان دويلة كردية مسلحة، وهذا سيتكفل مع انتشار الجيش السوري على الحدود مع تركيا بفرض معادلة مختلفة للعلاقات السورية التركية، ستكون المقاومة جاهزة لكل احتمالاتها، لكن الأرجح أنها لن تحتاج الى فرض الانسحاب التركي بالقوة، بقدر ما ستكون بحاجة لتقديم المؤازرة للجيش في عمليات تفكيك المنظمات الإرهابية في إدلب، لكن المهمة التي تنتظر هذه المقاومة، والتي تستعد لها المقاومة هي تحرير الجولان السوري من الاحتلال.