أوروبا على مشارف حرب خطيرة؟
عمر عبد القادر غندور*
لم يكن تفجير السيارة المفخخة في موسكو الذي أودى بحياة داريا دوغين ابنة المفكر الروسي الاستراتيجي ألكسندر دوغين تطوراً عادياً، بل هو حدث استثنائي تنظر اليه موسكو ببالغ الجدية والخطورة، وتستقرئ من خلاله ما يمكن ان يحدث من ردود فعل.
وتبيّن من التحقيقات السريعة انّ الراحلة داريا لم تكن هي المستهدفة بل والدها القريب جداً من الرئيس الروسي بوتين، وانّ من قام بالتفجير هي سيدة أوكرانية وصلت الى موسكو برفقة ابنتها الصغيرة واستأجرت شقة في نفس المبنى الذي تعيش فيه داريا ثم غادرت بعد العملية مباشرة الى أستونيا!
وعندما اتهمت السلطات الروسية كييف بالمسؤولية عن العملية، سارعت وسائل إعلام غربية للقول انّ المخابرات الروسية تقوم بتحقيقات داخلية تتناول العديد من أفرادها!
المؤكد أنّ الردّ الروسي على العملية لم يبدأ بعد، وقد يكون غير عادي، وقد تفهّمت كييف الأمر، وقالت انّ موسكو قد تستهدف العاصمة الأوكرانية مباشرة، لا سيما بعد استعمال كييف للعتاد الحربي الأميركي الحديث في عدد من المحاور، وخاصة عندما تستهدف القوات الاوكرانية جمهورية دونيسك وتمطرها بمئات القذائف الثقيلة من عيار 120 و 150 ملم، بالإضافة الى تسلل وعمليات تخريب في جزيرة القرم وتوجيه مُسيّرات لاستهداف القطع البحرية الروسية.
وتدرك القيادة الروسية انّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يريدون إطالة زمن الحرب واستنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً، ومضاعفة تزويد أوكرانيا بأحدث الأسلحة، وأعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية انّ بلاده ملتزمة بمدّ أوكرانيا بأحدث الأسلحة ولا بدّ لأوكرانيا أن تخرج من الحرب منتصرة.
والواضح أيضاً انّ الاتحاد الأوروبي الذي سلّم مقاليد أموره للأميركيين يتصرف وكأنّ الحرب الروسية الأوكرانية ستطول وتتمدّد أكثر مما عليه الآن، وقرّرت الولايات المتحدة تجميد أصول البنك المركزي الروسي البالغة 630 مليار دولار من احتياطه، ومنع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مواطنيهم من إجراء أيّ معاملات مالية مع الروس او مع وزارة المالية الروسية او صندوق الثروة السياسي الروسي، وكذلك فعلت اليابان. وقالت وزيرة الطاقة الفرنسية انييس بانييه انّ بلادها قادرة على الاستغناء عن الغاز الروسي، ويمكنها ملء خزاناتها الاستراتيجية بشكل مريح والاعتماد على الشحنات الآتية من النروج والجزائر. والمعروف انّ فرنسا تستهلك 17% من الغاز الذي يصلها من روسيا.
ولأنّ كلّ هذه العقوبات المتواصلة غايتها الإضرار باقتصاد الدولة المستهدفة ومواردها المالية وقادتها السياسيين.
وبدوره حث الرئيس بوتين شركات الطاقة في بلاده للاستعداد لحزمة عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي.
لذلك، يمكن القول انّ شتاء أوروبا المقبل سيكون قاسياً لأن الولايات المتحدة ترى أنها قادرة على إنهاك روسيا، التي باستطاعتها ايضاً وهي الدولة النووية العميقة ان تدافع عن وجودها…
وبقدر ما هو الصراع الروسي الأوكراني مهماً فالأهمّ منه الصراع النووي بين الولايات المتحدة والصين حول موقفهما من تايوان، وهو الاحتمال الذي لا يريد أحد طرحه فوق الطاولة.
والواضح انّ الصين لا تعترف بالسيادة التايوانية وتعتبر تايوان أرضاً صينية، بينما تقف الولايات المتحدة الى جانب تايوان وتمدّها بكلّ شيء وهي على بعد 160 كلم عن اليابسة الصينية ولا يعلم أحد متى تقرّر الصين ابتلاع تايوان بلقمة واحدة…
والسؤال المفترض: الى أيّ مدى تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان وأوكرانيا؟ وما هي الأثمان المترتبة على ذلك؟
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي