لبنان بين سحابة هارون الرشيد وسحابة لصوص النخبة!
د. عدنان منصور*
هارون الرشيد وهو من على شرفة قصره، شدّت نظره سحابة في السماء، فقال لها: إمطري أينما شئت… فسيأتيني خراجُك.
بدورهم لصوص لبنان وسارقوه، ومذلّو مواطنيهم، يطلون من على شرفات قصورهم وهم يرون غيمتهم السوداء تغطي وطناً وشعباً بأكمله، يقولون للمقهورين، والجائعين البائسين، والمسحوقين: اذهبوا لأيّ مكان أردتم، وافعلوا ما شئتم… اغضبوا، اهتفوا، ثوروا، اشتموا، العنوا، احرقوا، كسّروا، هاجروا… فإنّ مالكم وولاءكم في نهاية المطاف سيعود إلينا…
لا يعنينا خبزكم ولا قوتكم، لا صحتكم ولا جوعكم، لا أنينكم ولا آلامكم، لا ماؤكم ولا كهرباؤكم، لا أقساط مدارسكم ولا جامعاتكم، لا لقمة عيشكم ولا حياتكم، لا مرضكم ولا شفاؤكم. لا يعنينا يومكم ولا غدكم ولا مستقبلكم. فدماؤكم عندنا لا تساوي شيئاً، وهي أرخص من حبة رمل، ما دمتم ارتضيتم لأنفسكم، الخنوع، والرضوخ لنا بملء إرادتكم.
كنتم لنا على الدوام العبيد النائمين نوم أهل الكهف. وكنتم لنا الأوفياء دون حدود. كنّا لكم القاهرين، المعذبين، المجرمين، الجاحدين، وكنا الطغاة والأسياد الدائمين عليكم، نمتطيكم متى شئنا في ترحالنا وتجوالنا، وحين تدعو الحاجة.
هي مبايعة لنا منكم، وإنّا لحافظون عليها بكلّ ما أوتينا من قوة، ونفوذ، ومال، وقذارة، وحقارة، ما دمتم آثرتم أن تبقوا نعاجاً، كبوشاً في مسالخ طوائفنا، بملء إرادتكم، وبعمى بصيرتكم. تمضون حياتكم وما تبقى منها في مقابر الأحياء التي خصصناها لكم.
لا نلوم مطلقاً هذه الطغمة المجرمة، ولا نحمّلها المسؤولية بقدر ما نحمّل المسؤولية الأكبر، للشعب الذي لا يعرف حتى الآن كيف ينتفض، ويحاسب الطغاة الذين استعبدوه على مدى عقود، ولا يزال متعلقاً ومتمسكاً بهم، بتبعية عمياء، وبعصبية مقيتة، مرتهناً لأوسخ عصابة تمتصّ دمه ليلاً نهاراً، سراً وعلانيّة !
متى يقرّر المسحوقون، والمقهورون، والمغبونون، والمغفلون، والنائمون في لبنان، الخروج من جحيم القهر الذي هم فيه، بعد أن فوّضوا أمرهم على مدى سنين طويلة، لقطاع طرق، مقاولين مقامرين، متوحّشين، كي ينوبوا عنه في حكم بلد وإدارة مؤسساته !
هل أدرك الشعب المسكين الآن، والمواطن المغفل، بعد كلّ ما حلّ به، أنّ العدالة لا يحققها له قاضٍ له تعريفته الخاصة، او حاكم ظالم فاجر له حصته، وانّ المال لا يحفظه منهوم سارق، وأنّ المؤسسات لا يديرها سمسار ومقاول، وانّ الدولة الوطنية العادلة، والحوكمة الرشيدة يرفضها قرصان جائر، متخرج من خندق، أو حاجز سطو مسلح!
الشعب اللبناني يدفع في كلّ وقت الثمن الغالي من عرقه، ودمه، وهو السبب والعلة، والمسؤول. وسيدفع الثمن أكثر في المستقبل، طالما هو على حاله، ولم تتغيّر عقليته السياسية المشبعة بالعصبية الطائفية، والإقطاعية العائلية السياسية .
متى يتعلم المواطن الدرس، ويأخذ العبرة من الشعوب الحية التي تنتفض على جلاديها وناهبيها ومذليها، ولنا في ذلك خير مثال على ما جرى في سيريلانكا، حيث هبّ الشعب هبة واحدة، ضدّ حكامه الفاسدين، واقتحم معاقلهم وقصورهم، وعرّاهم أمام العالم كله.
إذا كانت سحابة هارون الرشيد ذهبت بعيداً، وعاد خراجها اليه، فإنّ غيمة القراصنة في لبنان، لم تغادره، ولا تزال ملبّدة مكانها، تظلل الأسياد وهم يغرفون من خيراتها ما لذ وطاب من الثروة والسلطة، والجاه والنفوذ، وكلّ ما أوتوا من استبداد واستغلال، وتوحش، فيما المغفلون يهللون لأسيادهم في الساحات، يناخون لهم، يحملونهم على أكتافهم وهم فرحون .
الى متى ستظلّ «كوما» الذلّ والخنوع، متحكّمة بشعبنا، وتفعل فعلها الشنيع في النفوس! متى يستيقظ اللبنانيّون من سباتهم العميق، ليروا فجراً جديداً وقد غابت عنهم نهائياً الغيمة السوداء التي تحمل فيها أقذر، وأحط طبقة فاسدة لا مثيل لها؟!
كادت المومياءات أن تنتفض، وكاد أبو الهول ان يتحرك من مكانه، لكن للأسف، آثر اللبنانيون الصبر ولم يتحركوا حيال كلّ ما أحاط ويحيط بهم من فقر وقهر!؟
إلى متى…؟!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.