الخلاص بطرد اللصوص من هيكل الدولة
د. عدنان نجيب الدين
طال الفساد كلّ شيء، ولم يعد هناك دستور لأنّ الدستور فيه ثغرات كثيرة. وهذا النظام الطائفي التحاصصي لا يصلح لقيام وطن ولا لإرساء عدالة، فالعدالة هي الأساس في بناء الأوطان، وإذا كانت التمايزات مشروعة لكن الامتيازات ملعونة. ولا يستقيم الوضع مع دولة بثلاثة رؤوس.
نعم رئيس الجمهورية مسؤول، ولكن الجميع ممن نهبوا الأموال على مدى عقود بحجة حفظ حقوق الطوائف مسؤولون أيضاً، والطوائف لم يصلها شيء من حقوقها كمواطنين. رؤساء الطوائف وحاشياتهم هم المحظيون وهم المترفون. كلهم يختبئ خلف الرئيس ليخبّئ فساده وسرقاته وتجاوزاته. وانْ كنا نسجل لفخامته مواقف وطنية كرفض إدماج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني، ورفض توطين الفلسطينيين وإنجاز معركة الجرود وتحريرها مع المقاومة من الإرهابيين الذين أرادوا التمدّد الى داخل الأراضي اللبنانية، وإطلاق مشروع التنقيب عن النفط والغاز، نعترف بأنه قد يكون هناك أخطاء كبرى في بعض الأمور، لكن العيب الأكبر هو في كلّ هذه الطبقة السياسية التي يحاول كلّ منها رمي الحمل على غيره والهروب من المسؤولية.
الصلاحيات لم تعد في يد الرئيس الذي يستطيع أن يناور في تشكيل الحكومات، لكن السلطة التنفيذية في يد رؤساء الحكومات والوزراء، وهناك دور المجلس النيابي الأساسي في التشريع والمراقبة والمحاسبة مع التشديد على المحاسبة لأنها غائبة في ظلّ هذا الخلل الطائفي والمذهبي.
الدولة يهيمن عليها ما يسمّى بـ «زعماء الطوائف» الذين يتقاسمون خيرات هذه الدولة وليس عندهم ضمير ولا يقيمون وزناً لحقوق الناس عليهم، والشعب، كما يبدو، أصبح بليداً لا يتحرك، وإذا تحرك فمن دون وعي لأنه أضاع البوصلة وجدّد لهذه الطبقة السياسية لأنّ البديل الصالح غير موجود بشكل متكامل. ورموز المجتمع المدني كما عبّر شينكر نفسه هم فاسدون وأنانيون. وسبق لدول الخليج أن قدّمت عشرات المليارات من الدولارات ذهبت كلها أو معظمها إلى جيوب السياسيين الفاسدين ولم يستفد منها الشعب اللبناني شيئاً.
صحيح أنّ المشكلة الكبرى في هذه الطبقة الفاسدة، لكنها أيضاً في عقلية هذا الشعب المنقسم على نفسه إلى عصبيات طائفية ومذهبية ما أنساه حقوقه وصار كلّ فريق يتهم الفريق الآخر ويعتبره تهديداً وجودياً له، فيما المصيبة في «الزعماء» الذين يقودون جماعاتهم، والجماعات أصبحت عمياء ومطواعة لزعمائها الذين لا يلتفتون إلى شعبهم ولا حتى إلى جماعاتهم، كلّ همّهم أرصدتهم المالية في البنوك الغربية ويخافون عليها من العقوبات الأميركية، فداسوا على كرامة وطنهم وسيادته واستقلاله بعد أن أصبحوا عبيداً لدى سادتهم ومشغليهم.
فيا شعب لبنان، أيها المواطنون، لنكن أحراراً في بلدنا لا عبيداً عند من مارسوا طغيانهم وفسادهم لعقود خلت، ولتتحرك جماهير شعبنا سلمياً دفاعاً عن حقوقنا الإنسانية لمحاسبة المسؤولين وإعادة تأسيس الدولة على ركائز جديدة أولها إقرار قانون جديد لأحزاب لا طائفية ولا مذهبية، وتشريع قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، وإلغاء هيمنة الكارتيلات على الاقتصاد اللبناني، والعمل على إعادة أموال المودعين بالضغط على المسؤولين بأيّ وسيلة مشروعة، وذلك لإطلاق ورشة البناء لدولة حديثة وعادلة يستحقها لبنان وشعبه المقاوم. وهذا ممكن جداً، لأنّ من طرد الاحتلال «الإسرائيلي» من أرضه بالمقاومة يستطيع فعل الكثير لطرد اللصوص من هيكل الدولة ومؤسساتها.