هل يريد ميقاتي حكومة بصلاحيّات كاملة؟
ناصر قنديل
– خلال الفترة التي أعقبت تكليفه بتشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات النيابية بدا أن الرئيس نجيب ميقاتي يتحرّك لتفادي تشكيل حكومة جديدة، متعمّداً تقديم صيغة حكومية استفزازية لرئيس الجمهورية تتضمن استبدال وزراء من الحصة المحسوبة على رئيس الجمهورية من دون مناقشة الأمر معه ولا التشاور معه بالأسماء البديلة، ومعلوم عند كل المعنيين والذين يتابعون مثل هذه الملفات في تاريخ تشكيل الحكومات، أن هذا أقصر الطرق لقطع الطريق على أي تعاون، يشكل شرطاً لولادة الحكومة الجديدة.
– راج في تفسير موقف ميقاتي للتهرّب من تشكيل حكومة جديدة قناعته بأن مطالب التيار الوطني الحر بحكومة سياسية تعكس نتائج الانتخابات النيابية سيدخله في متاهة تحول دون النجاح بتشكيل حكومة، أو أن تطلع التيار لتعزيز وضعه الحكومي وتحسين شروط تمثيله ما يعيق فرصة التفاهم على حكومة انطلاقاً من سعي التيار لامتلاك تأثير أكبر في الحكومة على خلفية احتمال توليها صلاحيات رئيس الجمهورية، ولذلك اعتقد كثيرون أن ميقاتي المتيقن من استحالة التوافق مع سقوف عالية المطالب، استبق الأمر بطرح تعجيزيّ واستفزاز رئيس الجمهورية، وإقفال باب البحث بالحكومة الجديدة، مرتاحاً لكونه يترأس حكومة تصريف الأعمال.
– كشف رئيس الجمهورية استعداده لمناقشة تشكيلة ميقاتي رغم كل ما فيها من استفزاز، وعرض عليه خيار بقاء الحكومة الحالية بقوامها وإضافة ستة وزراء دولة من السياسيين، ثم أبدى الاستعداد للتخلي عن هذا الاقتراح مقابل بقاء الحكومة بقوامها الحالي وحصر التغيير بمن تريد مرجعيّته السياسية المعروفة من الرئيسين اللذين شكلا الحكومة معاً، تغييره واختيار البديل عنه، وبقي رفض ميقاتي، وصار ترجيح فرضية أن ميقاتي يريد دوراً لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في تسمية بديل للوزير عصام شرف الدين، وأن يكون كرئيس حكومة شريكاً في تسمية الوزير البديل لوزير الطاقة وليد فياض.
– جاء كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد يطرح في التداول صيغة تعويم الحكومة القائمة، والصيغة الدستورية الأسلم لذلك هي إصدار مراسيم تشكيل حكومة جديدة بالأسماء والحقائب ذاتها، وكان منتظراً رد فعل الرئيس ميقاتي على هذا الطرح، طالما أن الخيار هو بين الحكومة نفسها بصلاحيات أو بدون صلاحيات، وهذا هو الفرق بين بقاء الحكومة نفسها بصيغة تصريف أعمال أو استرداد صلاحياتها، وهذا يفترض ان يثير حماسة رئيس الحكومة لأنه يصب في خانة تعزيز مقام ومكانة رئيس الحكومة لجهة امتلاك صلاحيات لا يملكها اليوم له كرئيس من جهة، ولا تملكها الحكومة كحكومة، سواء تم انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو لم يتم، وكان المستغرب غياب ميقاتي عن أي رد فعل، بل عن السمع، ليصير السؤال هل ميقاتي لا يريد حكومة كاملة الصلاحيات ولهذا يدير ظهره لكل صيغة تعيد إنتاج الصلاحيات للحكومة؟
– الجواب هو في أمرين، الأول تهرب ميقاتي من تقديم أجوبة نهائية للنواب حول القضايا العالقة في مشاريع قوانين تتعلق بالوضعين المالي والاقتصادي، كالموازنة والكابيتال كونترول، وهيكلة القطاع المصرفي، وأم المشاريع في خطة التعافي الاقتصادي، لأن جميع هذه المشاريع ترتبط عضوياً بالإجابة عن سؤال محوري، هو كم هي النسبة التي ستتجرأ الحكومة على تحميلها للمصارف ومصرف لبنان، من أكلاف الحلول، ومدى تناسبها مع حجم مساهمة المصارف ومصرف لبنان في التسبب بالأزمة والانهيار، وكيف ستتعامل الحكومة مع حقوق المودعين الذين يتعرّضون من خلال التعطيل لحسم يومي على القيمة الفعلية لما تبقى من ودائعهم، وهو قليل وقليل جداً بالنسبة لأغلب أصحاب الودائع الصغيرة، الذين قاموا بتسييل ودائعهم على أسعار صرف تعادل نسبة قليلة من قيمتها الحقيقية، وقد بات واضحاً للخبراء الذين يعبرون عن موقف ينسبونه الى صندوق النقد الدولي، أن ميقاتي وفريقه وعلى رأسه النائب السابق نقولا نحاس لا زالوا عند الأطروحات التي فشل نحاس بإقناع خبراء صندوق النقد بها، خلال تمثيله للجنة المال النيابية أمام الصندوق، خلال فترة حكومة الرئيس حسان دياب بعد الحملة التي قادتها لجنة المال آنذاك ضد خطة دياب التي اعتمدها الصندوق، والخلاف يدور حول انحياز نحاس ولجنة المال الكامل لأطروحات مصرف لبنان والمصارف، وهذا يعني أن حكومة كاملة الصلاحيات ستفرض على ميقاتي وحكومته مواجهة الأمر الواقع وحسم التردد وإنهاء التهرب، بينما التذرع بكون الحكومة حكومة تصريف أعمال يمنح العذر لتبرير التهرب من المسؤولية.
– الأمر الثاني، هو أن هناك قاضياً سابقاً مقرّباً من الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، هو من يصدر فتاوى دستوريّة لحساب ميقاتي، يقول بأن حكومة تصريف الأعمال عندما تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، إذا لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية، فهي لا توجد بصفتها مجلس وزراء طالما أنها لا تستطيع الاجتماع وإصدار قرارات، إلا في حالات قاهرة، وهذا يعني أنها فيما يخص إصدار المراسيم ستقوم باعتماد المرسوم الجوال، لكن في ممارسة السلطة السياسية واتخاذ المواقف فستكون حركة رئيسها حرة للتفرّد، بغياب مجلس الوزراء واجتماعاته، بل وحتى عجز مجلس النواب عن مساءلة حكومة تصريف أعمال، ما يمنح رئيس حكومة تصريف الأعمال صلاحيات واقعية لا يملكها رئيس حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية.
– يعتقد البعض أن رهان ميقاتي هو على فراغ طويل يعقبه انتخاب رئيس للجمهورية يمارس خلاله التفرّد بالصلاحيات، وعندما ينتهي بتوافق إقليمي دولي يحجز له مقعد رئاسة الحكومة، ويمسك بيده لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية ومن ضمنها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وفق المشيئة السياسية لا المعايير التقنية.