بري يقطع الطريق على باسيل ويأخذ من الحصة الرئاسية نصيباً…
روزانا رمّال
لم تكن كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب السيد موسى الصدر في مدينة صور هذه السنة كسابقاتها لا في ظروفها ولا في توقيتها، فهي المرة الاولى بعد الاستحقاق النيابي الذي يلتقي فيها بري بجمهوره الجنوبي بعد كل ما طال حركة امل من اتهامات باعتبارها جزء من ما سمي بـ «المنظومة» والتنصل الشعبي الجنوبي منها ومن هذا الخيار وما يحاكي ذلك من فرضيات. كلمة بري حاسمة لوقوعها في زمن استحقاقات مفصلية من عمر لبنان والمنطقة هي الاهم من نوعها
أولاً: ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و»إسرائيل»،
ثانياً: اقتراب الاستحقاق الرئاسي
ثالثاً: تحضيرات المنطقة لاستقبال التوقيع بين إيران والغرب على التفاهم النووي بنسخته المنقحة 2022 وعلى هذا الأساس بدت الرسائل التي وجّهها مباشرة لمن تقصد استحضارهم وتحديداً بالملف اللبناني.
وليس بعيداً عن انشغال الساحة اللبنانية بالسؤال الابرز حول هوية الرئيس المقبل وامكانية ملء الكرسي بما يتناسب مع البلاد سياسيا واقتصاديا في زمن الترسيم والتحديات المعروفة بدا «بري» شديد الاهتمام بتفاصيل الملف مع العلم ان الساحة تشهد تأخرا بحسم الخيارات نسبة لما كان واضحا عند حلفائه في الدورة الرئاسية السابقة اذا كان محسوما منذ وقت بعيد ان العماد ميشال عون حينها هو خيار حزب الله والتيار الوطني الحر ومن كان ممكنا استقطابه، اما اليوم فلا مرشح واضح عند اي فريق سياسي وكل هذا لم يمنع الرئيس بري بمخاطبة المعنيين مباشرة بما يختلج صدره.
وفيما حرص الرئيس نبيه بري بخطابه للاشارة بوضوح الى ضرورة ان يكون الرئيس المقبل» يجمع ولا يطرح» وان يكون رئيسا ليس للمسيحيين فقط بل لكل اللبنانيين تستحضر بكلامه لحظات انتخابه رئيسا لمجلس النواب و»الامر الواقع» الذي فرضه الثنائي الشيعي باعتبار بري المرشح الوحيد بالتلويح باستخدام الفيتو «الميثاقي» الذي كان من الممكن الوصول اليه فيما لولم ينجح في تجميع اصوات نيابية كافية لفوز بري في دورة 2022 برئاسة مجلس النواب وبالتالي نجح « البلوك « الشيعي بفرض خياره بشكل مبهر ومن دون منازع وفرض بري رئيسا للكرسي المخصص عرفا في الدستور للطائفة الشيعية لكن من دون ان تنجح الطائفة بحصد اصوات كبرى الكتل المسيحية البارزة «التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية «واغلب القوى التغييرية في التصويت لبري بنهاية المطاف.
اما والحال غير موازية عند بري بما يتعلق بالاستحقاقين « رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب» فان ما ذكره فيه ما يكفي لقطع الطريق على امكانية ان يتحكم اي فريق مسيحي لوحده او يحتكر تسمية مرشح رئاسي فيما يبدو استحضارا غير مباشر للشيعية السياسية بأقوى حللها بمجرد امكانية اختيار رئيس بصفات محددة تتفق عليها اكبر عدد ممكن من الكتل والنواب من دون الوقوع في فخ « الميثاقية « الذي كان متوفرا لدى الكتلة الشيعية مستفيدة من وحدتها علما ان هذا الاستحقاق الماروني بامتياز صار محط تجاذب واثبات وجود في ظل الوجود السوري والذي خرج الى العلن بعد عودة الرئيس ميشال عون من المنفى وخروج قائد القوات اللبنانية سمير جعجع من السجن.
اعادة عقارب الساعة الى الوراء تبدو غير ممكنة لدى الكتل المسيحية البارزة كالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية وكل وفق حساباته فالتيار الوطني الحر الذي يتصدر هذا الطرح يعتبر ان العودة الى الوراء مستحيلة وان امكانية ايصال رئيس ضعيف غير مدعوم بتمثيل شعبي للقصر الجمهوري صارت وراء الظهر, فالتمثيل المسيحي الذي سعى رئيسه جبران باسيل لتعزيزه بكل السبل « بقوة الفرض او بالمنطق « شكل بالنسبة اليه التحدي الابرز في محاولات العودة لتعزيز المارونية السياسية وابرز من تلقى رسالته كان الرئيس نبيه بري الاحرص على المعادلة السائدة منذ ما بعد الطائف ومن الطبيعي ولادة هذا التباين طيلة فترة العهد طالما ان الخلاف الاكبر على دستور الطائف هو نقطة البدايات ولو حرص الطرفان على عدم المجاهرة بذلك وبالتالي فان اختيار الكرسي الماروني في البلاد لا يمكن ان لا يكون فيها للموارنة اليد الطولى في تحديد المصير او» فرض» رئيس تماما كما نجح الثنائي بفرض خياره الاوحد على الجميع على قاعدة ان لا يتم معاملتهم على طريقة « ما لنا.. لنا وما لكم لنا ولكم».
بالنسبة للقوات اللبنانية والكتائب ولو تباينت اشكال الطروحات وعدم الاتفاق حتى اللحظة على مرشح يجمع المعارضة فان اعادة عقارب الساعة الى الوراء واختيار رئيس يؤيد خيارات حزب الله او مقرب منه هوما لن يرتضوا به خصوصا بعد الحراك الشعبي 2019 واعتبارهم ان البلاد وصلت الى هنا بسبب سياسات «العهد الفاشلة « وان هذا الامر لن يتكرر مجددا اضافة الى اعتبار ان كل ما يعيشه لبنان من عزل دولي وتحديات كان بالغنى عنه هو بسبب سلاح حزب الله الذي يطغى على كل البلاد باستحقاقاته وبمكاسبه وبالتالي فان طرح فكرة الرئيس « السيادي» والتي سارع بري لتبنيها في خطابه معتبرا ان فريقه من اوائل السياديين في هذا البلد ومنذ الولادة او التسلح بهذه الصفة لفرض رئيس لن تمر وبكل الاحوال فان ابرز ما ظهر من الخطاب اهتمام بالغ لبري بالاستحقاق الرئاسي ومسارعته بإرسال رسائل في كل حدب وصوب تلقتها ميرنا الشالوحي على كل المستويات فلا يصعب على المستمع للخطاب ابدا جس حدة الخلاف المقبل بين الطرفين على الامر وقدر برز ذلك في محاولة بري الايحاء بان تعطيل تشكيل حكومة ايضا وتعطيل البلاد واحدا من ضمن «كلّ» يتحضر اليه العونيون من ضمن سيناريوهات ما بعد انتهاء ولاية الرئيس عون.
قطع بري الطريق على اي مرشح « طبيعي» من قادة الكتل قاصدا رؤساء حزبي القوات والتيار من دون الوقوف كثيرا عند باقي الاسماء والافراد التي لا تحمل الحد الادنى من الحظوظ لتصنيفها «طبيعية» سوى لجهة الحق الديمقراطي والعارف اكثر بالأمور يدرك ان المقصود هو باسيل نظرا لأنه لا يمكن ان يكون جامعا في مثل هذه الظروف ما ينسف احتمالية اعتباره طبيعيا عند بري طالما انه ليس موضع قبول وطني لتبقى الرسالة الاقوى والموقف الذي لا يحسد عليه لحزب الله الحائر اليوم بين حليفين لدودين وصل بهما الخلاف حد الطلاق اكثر من مرة…
بري يحسم حصته في الرئيس الجديد ويضع خطوطه الحمراء.