هل تكتب حكومات ميقاتي نهاية لبنان…؟
عبير بسام
من يقرأ أحداث المنطقة في بلاد الشام والعراق منذ العام 2018 وحتى اليوم يعلم أنّ وجه العالم قد بدأ يتغيّر. التاريخ يكتب أن نهاية حروب أميركا ستكتب في سورية. وأنها لن تبقى أميركا التي نعرفها في اللحظة، التي قرّرت فيها الولايات المتحدة البقاء بقواتها في سورية ومساندة داعش والنصرة والميليشيات الكردية. في ذلك العام ابتدأت معركة تحرير حلب، ونجحت القوات السورية بمساندة القوات الرديفة بتحرير المدينة وجزء كبير من ريفها. وتبيّن يومها الخيط الأبيض من الأسود وبات واضحاً أنّ سورية ذاهبة نحو استرداد عافيتها، وما نشهده اليوم ليس سوى مماطلة أميركية لتحقيق مكاسب في سورية، إما بالمفاوضات، أو عبر فتح الباب لفرضية جديدة هي النجاح في تأزيم الوضع اللبناني، نعم نحو تأزيم الوضع اللبناني!
كانت البداية في 17 تشرين الأول 2019. هذا التاريخ الذي يجب أن نضعه نصب الأعين. فالهدف من هذه الثورة المزعومة التي شلت البلد سنة كاملة، هو الدفع بلبنان نحو الفوضى الداخلية. ولكن ما أن هدأت الأمور قليلاً، حتى عاد ليؤجّجها تفجير المرفأ في 4 آب/ أغسطس 2020 وتنطلق معه التفجيرات المتتالية وأولها استقالة رئيس الوزراء السابق د. حسان دياب، وعودة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي صاحب نظرية «النأي بالنفس».
ولكن ما هي صلة هذه الأحداث بما يحدث من تغييرات على الساحة السورية؟
هناك حاجة أميركية و»إسرائيلية» للإبقاء على الوضع متوتراً في المنطقة وخاصة في لبنان وسورية والعراق، اذ أنّ الأميركيين على يقين أنّ عودة الاستقرار إلى دولتين من هذه الدول لن يكون في مصلحة أمن «إسرائيل»، وعندما بدأت الكفة ترجح لصالح سورية كان لا بدّ من التوجه نحو الخطة البديلة، ألا وهي العمل على تهيئة لبنان لحرب أهلية ثانية، وبالتالي إلهاء المقاومة بالاقتتال الداخلي. وليس هذا فقط، بل أنّ هناك هدفاً أميركياً واضحاً ومحدداً بدفع لبنان نحو إعلان الإفلاس وبالتالي بيع جميع مؤسساته وخاصة وزارة الطاقة والمياه ووزارة الأشغال ووزارة الاتصالات والقائمة ستمتدّ لتطال في النهاية الضمان الاجتماعي، أيّ إنهاء إنجازات بناء الدولة. وما سبق يتوافق تماماً مع تصريح هنري كيسنجر بأن لبنان «خطأ تاريخي».
المطلوب ببساطة حصار لبنان أكثر وأكثر لأنه نأى بنفسه عن القرار الأميركي، وذلك بتدمير محور المقاومة. وبقي لبنان الحديقة الخلفية التي استطاعت من خلالها سورية تعويض النقص في المواد التي لم تستطع استيرادها خلال فترة الحرب، إلا من خلال تجار وسطاء في البلدين بسبب الحصار. وبالتالي فإنّ حصار لبنان اليوم هو حصار ثان غير مباشر لسورية، وقد أدى إلى هبوط العملتين بشكل اضطرادي، وغلاء في الأسعار بشكل فاضح. ولكن سورية ماضية في تحقيق ما كان يجب أن يتحقق في العام 2018، ولم يبق أمام الأميركي سوى الخروج. لكن أحد أهمّ أسباب المماطلة، هو الأمل بأن يحقق الحصار الهدف الأميركي، الذي يحاول الدفع نحو البقاء في إحدى القواعد الهامة التي بناها في سورية، ألا وهي قاعدة التنف على الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية، وهذا ما لن يتحقق إلّا برضوخ الدولة السورية لمطالبه.
ولذلك، كلما تأخر أيّ قرار وزاري في حكومة ميقاتي، كلما ازداد اليقين، بأنّ ما سيحدث في لبنان هو ما حدث مع أهل مسرحية «ناطورة المفاتيح» للأخوين رحباني، في الحوار الذي دار بين جاد الحكيم والملك الظالم غيبون، الذي قرّر زيادة الضرائب، «حصة الملك» لمصلحة الناس. عندما نبّهه الحكيم إلى أنّ ما يمارسه من ظلم قد يفجّر الوضع في البلد لأنّ الناس غير راضية. فكان جواب الملك: «ليه مين بيرضي الناس، شو بدهن يعملوا إضراب؟ بفشله، تمرّد؟ بسكته، احتجاج؟ ما بسمعه، ثورة؟ عندي حرس كفاية!». فأجابه جاد الحكيم: «ما حدا بيقدر يحبس المي» وانفجرت المياه ورحلت الناس بعيداً عن المملكة. وهذا ما يفعله اللبنانيون اليوم في مراكب الموت وعبر هجرة النخب والخبرات اللبنانية من أجل عائلاتها.
ولأنّ الحكومة الحالية غير قادرة على الاستماع للاحتجاجات، ولا إعادة النظر «بحصّة الملك» في رفع تسعيرة الاتصالات الجائرة، والدليل أنّ الناس، العامة، لم تعد قادرة على الاتصال وتعتمد اليوم على ما تقدّمه خدمات الإنترنت حصرياً. مما يؤدي اليوم إلى انهيارات متتالية في أوجيرو في مناطق لبنانية عدة، والأمر نفسه سيلحق بقطاع الكهرباء عند زيادة التعرفة، وفي ظلّ الفواتير الضخمة التي تدفع للمولدات. وسيبقى الملك بلا ناس، لأنّ الملك ملتزم بكلّ ما يفرضه وسيفرضه البنك الدولي والقرار الأميركي، لأنه لا بدّ أنّ للملك حصة يريد الحفاظ عليها وإنْ كانت تتبدّى في حماية مصالحه التجارية والمالية. وبالتالي فهي مرتبطة بمصالح الدولة العميقة والتي لا علاقة لها إلا بالمصالح الشخصية والتي مثلها بوضوح وعلى مرّ السنين الحكومات التي حاربت بشراسة كل من حارب «إسرائيل».
وعلينا هنا أن نفهم جيداً، أنّ لبنان في تركيبته العميقة يشبه إلى حدّ التطابق التركيبة الأميركية، والتي تحكمها مجموعة من الشركات الاحتكارية وقوى المال، فهي التي تدير الانتخابات وموارد الدولة وتتدخل في التعاملات المالية فيها. ولكن الفرق في هذه المرحلة أنه لم يعد لدى الدولة اللبنانية العميقة إلا التحالفات مع الخارج ضدّ الداخل. وتبدو أيدي الأمن مشلولة في المرحلة الحالية في لبنان، والسبب وراء ذلك هو عدم التوافق ما بين الأمن وقوة رأس المال في لبنان. اذ تمّت تربية الدولة العميقة وتدريبها على يد الفرنسيين طويلاً ومنذ بداية القرن التاسع عشر ومما يضعها اليوم في حالة من الاستشراس. والملك في لبنان، ليس خارج هذه المنظومة المالية التي تتلاعب بالمؤسسات اللبنانية والدولة.
ولكن لسوء طالع الأميركيين والدولة العميقة في لبنان، أنه ولد من رحم الصراع حركات وطنية لم تأت على مقاس الحسابات. ولكن هذه القوى الوطنية وللأسف غير قادرة على قيادة البلد أو اتخاذ الخطوات المناسبة لتسلّم زمام الأمور.
فشلت حكومة ميقاتي، في تحقيق أيّ تعافٍ اقتصادي في لبنان. وميقاتي سيمضي إلى النهاية من أجل تحقيق طلبات صندوق النقد الدولي ومنها تحرير سعر صرف الدولار، بداية في قطاع الاتصالات مروراً بالجمارك وصولاً نحو الطحين. والهدف من هذا التحرير العظيم، هو إنقاذ البنوك من الانهيار، وهي لديها العذر بالتهرّب من مسؤولياتها ما دامت حكومة تصريف أعمال وفي حال انتهاء مدة الفترة الرئاسية للرئيس ميشال عون فإنّ رئيس مجلس الوزراء سيكون متفرّداً باتخاذ قرارات سياسية، وذلك بحسب الفتوى التي أصدرها قاض سابق مقرّب من الرئيس السابق فؤاد السنيورة. إذن المطلوب يلتسين جديد في لبنان.
وبحسب صحيفة «غلوبس» الصهيونية، أنّ المباحثات الجارية بين لبنان و»إسرائيل» برعاية أميركية ستفضي إلى اتفاق نهائي خلال شهر أيلول/ سبتمبر الحالي، وأنه سيتمّ التوقيع على «إعادة» ترسيم الحدود بين بيروت وتل أبيب». ومن هنا يمكننا أن نفهم الأسباب وراء السعي الميقاتي في هذا التوقيت من أجل تشكيل حكومة، اذ يبدو أنّ كلمة السرّ قد وصلت، وعلى ميقاتي أن يشكل حكومة كي يكون قادراً على المضيّ بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وكي يكون حاضراً وفاعلاً عند توقيع اتفاق الترسيم…