تفادياً للحرب: ضغوط لترسيم حدود لبنان البحريّة وضمان ثروته النفطيّة
د. عصام نعمان*
الأنفاس محبوسة في لبنان كما في فلسطين المحتلة. الكلّ يتساءل: ماذا بعدما أرجأت “إسرائيل” استخراج الغاز من حقل كاريش الواقع في منطقةٍ متنازع عليها الى مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل؟ هل في الأمر خديعة أم مناورة ترمي الى إرجاء بتّ النزاع الى ما بعد الانتخابات “الإسرائيلية” المقرّر إجراؤها في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل؟ هل الأمر تمّ بالتواطؤ بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”؟ ثم، هل يتقبّل حزب الله مناورة “إسرائيل” هذه على مضض أم تراه يلجأ الى مناورةٍ من شأنها تذكير العدو بأنه ما زال ماضياً في تهديده بضرب منصّاته النفطية والغازيّة البحرية إذا ما حاول استخراج الغاز من حقل كاريش قبل التوصل الى تسوية مقبولة بشأن المنطقة المتنازع عليها؟
من الواضح أنّ الولايات المتحدة الأميركية متخوّفة من احتدام الصراع واحتمال تطوّره الى حرب بدليل أن الرئيس جو بايدن سارع الى الاتصال برئيس الحكومة “الإسرائيلية” يائير لابيد لحثه على المضيّ في مفاوضات تقود، برعايةٍ أميركية، الى اتفاق مع لبنان على ترسيم المنطقة البحرية المتنازع عليها.
لماذا أميركا متخوّفة من تطور الصراع الى حربٍ ذات تداعيات خطيرة؟
لأنها تأكدت من خلال أجهزة استخباراتها كما من “إسرائيل” نفسها انّ حزب الله جادّ جداً في تهديداته وانه لن يتوانى عن قصف منصّات “إسرائيل” النفطية البحرية إذا ما حاولت استخراج الغاز من حقل كاريش قبل التوصّل الى تسوية للنزاع تُرضي الحكومة اللبنانية.
لأنّ من شأن الحرب إفساد محاولات الولايات المتحدة تعويض دول أوروبا قطع الغاز الروسي عنها بتزويدها الغاز الجاري استخراجه من “إسرائيل”، كما من مواقع أخرى في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
لأنّ اندلاع الحرب بين لبنان و”إسرائيل” من شأنه زعزعة الأمن في كلّ أرجاء الإقليم وتوقف عمليات التنقيب والاستخراج تالياً وخروج كلّ الشركات العاملة فيه.
ماذا فعل الرئيس بايدن لضمان امتثال الجانب “الإسرائيلي”؟
اتصل برئيس حكومة “إسرائيل” لابيد وحثّه على التمسك بالمفاوضات سبيلاً للتوصل الى تسوية مقبولة للنزاع؟
اتصل برئيس حكومة “إسرائيل” السابق وزعيم المعارضة الحالي بنيامين نتنياهو وأبلغه انّ النزاع بين لبنان و”إسرائيل” على النفط والغاز لا يخصّهما فقط بل يخصّ أمن الطاقة العالمي ولا يجوز ان يخضع للمزايدات الانتخابية.
أوعز الى وسيطه بين طرفي النزاع عاموس هوكشتاين بأن يعاود اتصالاته لإحياء المفاوضات بينهما، فكان أن عاود الوسيط نشاطه بعـقد اجتمـاع مع الفريق “الإسرائيلي” المختصّ عبر تطبيـق “زوم” zoom، كما عقد اجتماعاً بالطريقة ذاتها مع مستشار الأمن القومي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تركّز على حثّ شركة “توتال” الفرنسية على استئناف عملياتها في حقول النفط والغاز اللبنانية، وعلى قبول التنازل عن جزء من أرباحها لـ “إسرائيل” لقاء تنازلها عما تدّعيه من حقوق في منطقة حقل قانا اللبناني لكون لبنان يرفض البتّة أيّ شراكة أو مشاركة مع الكيان الصهيوني في هذا المجال.
الى ذلك بادر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الى نفي ايّ تباين بينه وبين حزب الله خلال مناسبة مرور 44 عاماً على تغييب الإمام موسى الصدر، مؤكداً في الوقت نفسه دعمه الكامل للمقاومة وردّها في حال تهديد العدو لسيادة لبنان وحقوقه. أكثر من ذلك، أكد بري أنّ “كرة الترسيم هي في ملعب أميركا”، منتقداً غياب وسيطها هوكشتاين رغم وعده بالعودة الى لبنان بعد أسبوعين منذ زيارته الأخيرة مطلعَ آب/ أغسطس الماضي.
هل من مؤشرات جدّية لتسوية مرتقبة للنزاع بين لبنان و”إسرائيل” كما يتردّد في بعض الصحف العبرية؟
لا أجوبة بطبيعة الحال عن هذه التساؤلات من فلسطين المحتلة. لكن إعلاميين مقرّبين من نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس بو صعب، الدائم التواصل مع هوكشتاين، سرّبوا بعض الخطوط العريضة للتسوية الجاري بحثها مداورةً بين الأطراف ذات الصلة تتمحور حول الأسس الآتية:
تكريس حقّ لبنان في مياهه الإقليمية بين الخط رقم 1 والخط رقم 23، ايّ كامل البلوك 9 Block بما فيه حقل قانا كاملاً.
استبعاد أيّ شراكة لـِ “إسرائيل” مع لبنان في استثمار حقوق النفط والغاز في البلوكات 9 و 8 و 10.
عودة شركة “توتال” الفرنسية و”ايني” الإيطالية الى العمل في البلوك 9.
عدم ممانعة لبنان في قيام شركة “توتال” بإعطاء “إسرائيل” جزءاً من أرباحها الناتجة عن التنقيب والاستخراج في البلوك 9 لقاء تخليها عن المطالبة بحقوقٍ مزعومة لها في البلوك المذكور وشريطة ألاّ يكون للبنان أيّ علاقة او دور او صلة من أيّ نوع كان مع “إسرائيل” في الترتيب المقترح بينها وبين الشركة المذكورة.
تمكين شركات الحفر والتنقيب من العمل دونما عوائق في كامل المياه الإقليمية اللبنانية من شمال البلاد الى جنوبها.
إعلان الأطراف ذات الصلة عن وقف الأعمال ذات الطابع العسكريّ في جميع مناطق الحفرِ والتنقيب في الدول المعنية.
في هذا السياق تردّدت أسباب قيل انّ طرفي النزاع قد يعتمدانها لتبرير الموافقة على أسس التسوية المرتقبة:
بالنسبة الى لبنان: حصوله على كامل حقوقه في ثروته النفطية والغازيّة الكائنة في مياهه الإقليمية ومناطقه الاقتصادية الخالصة، كما على رفع الحظر المفروض من الولايات المتحدة وسواها على شركات الحفر والتنقيب الراغبة في التعاون معه.
بالنسبة الى “إسرائيل”: تفادي خسارة جميع منصاتها النفطية والغازيّة العاملة مقابل الساحل اللبناني وساحل فلسطين المحتلة فيما لو اندلعت الحرب.
بالنسبة الى الولايات المتحدة: تعويض النقص الناجم عن قطع الغاز الروسي عن حليفاتها دول اوروبا يكون بالحصول على الغاز من الدول المنتجة له في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
مع ذلك، ثمّة تحذير لا بدّ منه: كلّ ما ورد أعلاه من معطيات وتوقعات هو مجرد احتمالات ومشروعات قيد البحث والتدقيق، وليس من تأكيدات بعد بأنها قد تكون (او لا تكون) أساساً لتسوية مرتقبة في هذا المجال.
*نائب ووزير سابق