اتحاد بلديات الجرد الأعلى ـ بحمدون يكرّم الشاعر طليع حمدان المرتضى: التوأمة بين الجبل والزجل نتاج عهد أبرمه لبنان بينهما
كرّم اتحاد بلديات الجرد الأعلى – بحمدون الشاعر طليع حمدان في احتفال أقيم برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى في فندق صوفر الكبير الأثريّ.
حضر الاحتفال إلى الوزير المرتضى، الشيخ عماد فرج ممثلاً شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى، الوزيرة السابقة منال عبد الصمد، المدير العام لمؤسسة الأسواق الاستهلاكيّة زياد شيا، عضو المجلس المذهبيّ المهندس جهاد شيا، رئيس اتحاد بلديات الجرد كمال شيا، مدير المكتبة الوطنية في بعقلين غازي صعب، رؤساء بلديات ومخاتير، ممثلون عن عدد من الأحزاب، وجمع كبير من شعراء الزجل وأهل الثقافة والأدب والفن وتربويّون وحشد من المواطنين.
بعد تقديم من عضو مجلس بلديّة صوفر منيرة الدمشقي، تحدّث رئيس اتحاد بلديات الجرد الأعلى – بحمدون كمال شيا مرحّباً بالحضور، وقال: “نلتقي لنكرّم الشاعر طليع حمدان الذي أعطى لبنان كثيراً شعراً وثقافة وأدباً، ما أحوج هذا البلد للثقافة على أنواعها. ولن نستطيع إعادة بناء لبنان وإصلاحه إلا بعد بناء الإنسان وأخلاقه، والثقافة تهذب الذوق والأخلاق”.
ثم كانت قصيدة للشاعرة سامية حداد وكلمة للدكتورة سحر نصر، وقصيدة للشاعر شربل كاملة وأخرى للشاعر فيكتور ميرزا وقصيدة للشاعر شوقي شعبان.
بعد ذلك ألقى المكرّم طليع حمدان قصيدة قال في بدايتها: “جيتو تننسى غيابكم عنا، ونحنا بجبلنا وين ما كنا إن ما ضلّ حدا يحضنا بلبنان، عنا الجبل بيضل يحضنّا”.
ثم ألقى الوزير المرتضى كلمة وصف فيها المكرّم بـ»صاحب السمو الأمير طليع حمدان»، وقال: «ينزل طليع حمدان من الزجل اللبناني بمنزلة الربيع من الفصول، على اختلاف بسيط وعميق، هي أن الربيع ثلاثة أشهر أما طليع حمدان فرونق شعر دائم العذوبة على مرّ الشهور والسنين، فإنه منذ ستين عاماً وربما أكثر، ما برح يصدح بأجمل من حناجر الكناري، وما برحت قصائده تجري الماء والخضرة فوق الأوراق والمنابر، ههنا وفي المهاجر، واختار أن يطلق على جوقته الزجليّة اسم «جوقة الربيع» ولهذه الأسباب (كما نقول في اللغة القضائيّة) يقتضي أن يُضاف لقبان آخران الى ألقاب طليع حمدان هما أمير الزجل اللبناني و»سفير الزهر الى دولة الشعر». موهبة لم تنضب ولم تتعب. كينابيعِ هذا الجبل الرقراقة التي ترافق الشمس من شروقها وراء القمة إلى مغيبها خلف الشاطئ، فلا تتوقف عن مسيل، كأنها بخريرها تخفف من وطأة اللهيب عن الهضاب والوديان. ولهذا تزخر قصائد طليع حمدان بمفردات الطبيعة وصورها، محاكياً بجمال الحروف جمال لبنان، ومعبراً في ذلك عن أصالة الانتماء والتعلق بالأرض، ترابها وتراثها عزتها وإبائها».
ويحضرني هنا مخاطبته للإسرائيلي:
ولك انضمنتني تينة عسل بتسيل
بدك تضل تحوش التينية
يا سارق رغيفي بألف جميل
اللقمة الذليلة عم تطعميني
ولك خدّها وإذا من بعد مية جيل بخليك الله لا يخليني
لما الخفيف يرتاح تحت حمل تقيل
وترتاح رقبتي تحت سكينة
في وقتها مع بنت إسرائيل…. منرتاح يا أحباب فلسطين
وأفتح ههنا قوسين لأتحدّث في حاشية صغيرة عن قضية هي برأيي لبّ الموضوع، عنيت بها التوأمة بين الجبل (جبل عامل وجبل لبنان) والزجل، فكأنهما ولدا معاً أو كأنَّ أحدهما خلق من أجل الآخر. هذا الفن اللبناني بامتياز، من حقه أن يسجّل في دائرة الحماية الثقافية، ملكية فكرية خاصة بالجبل، لأنه نشأ على أفواه القرويين، وتبرمج على مواقيت مواسمهم، وكان الناطق بجميع أحوالهم وسجل ذكرياتهم الخاصة والعامة، بل ربما كان لسان التخاطب اليوميّ بينهم في أحيان كثيرة، بخلاف سكان المدن الكبيرة حيث كان عدد شعراء الزجل بينهم قليلاً على الإجمال. والظن عندي أن سبب ذلك هو الاندماج الكلي بين الشعر الطبيعي والطبيعة الشاعرة».
التوأمة بين الجبل والزجل، هي نتاج العهد الذي أبرمه لبنان بينهما. لذلك نحن في وزارة الثقافة، نعمل دائبين على حفظ الزجل على لائحة التراث الحضاريّ غير الماديِّ الخاضع لحماية منظمة الأونيسكو. مسيرة لا بدّ من استكمالها حتى نهاياتها حفاظاً على هذه الثروة الفكرية اللبنانية التي لا مثيل لها في أصقاع الأرض كلها.
وأود هنا، أن أشير إلى أن احتفالية تكريم طليع حمدان، واحدة من النشاطات الثقافية التي تؤدي إلى صيانة التراث الزجليّ وتمتين حضوره في الذاكرة وعلى ألسنة الناس. لأنه يثبت كلَّ يوم أنه ليس زِيًّا بلديًّا قديمًا عفى عليه تطورُ العصر. فها هي الجوقات تتجدد وتنمو، وتتابع الرسالة على امتداد المنابر والليالي التي يحتشد فيها محبّو هذا الفنِّ الأصيل. لقد أشادوا فيه كما يستحق؛ لكنني من جهتي أودُّ أن أنوِّه تنويهًا خاصًّا بقصيدته في ذكرى مجزرة قانا، يقول شاعرنا الكبير في آخر قصيدته:
«ورحْ بختصر كلّ الحكي المحبوب
وما يضل خلقي ع الشرق طالع
لي بعدو مش مطالع كتاب حروب
يا جنوبنا بكتابك يطالع
مجد السما نازِلْ عَلَيْك يدوبْ
ومجد الأرض مِنَّكْ إلَكْ طالِعْ
المـَجْدَينْ فيك تجسَّدوا يا جنوبْ
من خَصْرَك ونازلْ مجد هالأرضْ
ومجد السّما من خصرك وطالِعْ»
لأقول له في ختام كلمتي: إن مجد الجنوب الذي قصدته هو مجد للبنان وللعروبة وللضميرِ الإنسانيّ. هنيئاً لك التكريم يا شاعر المنبرين”.
وفي الختام قدمت للشاعر حمدان دروع وتذكارات تكريماً وتقديراً لمسيرته.