الجعجعة بلا طحين رئاسيّ
ناصر قنديل
– ليس من الإهانة نسبة كلام الشخص وأفعاله الى اسمه، ولو تصادف أن لها معنى يناسب المقصد، فإن هذا يمنح النسبة قيمة إضافيّة، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قدم أكثر من مرة أطروحاته الرئاسية، رافعاً سقوف الخطاب، خصوصاً عندما يتصل الأمر بالتصويب على كل من حزب الله والتيار الوطني الحر، وعبرهما ومعهما على رئيس الجمهورية، ولا نقاش فيما إذا كان هذا من حقه الديمقراطي، خصوصاً أنه يقود كتلة نيابية وازنة، لكن النقاش هو بالضبط في الطحين الرئاسيّ لهذه الجعجعة؟
– في لبنان تخاض المعارك الانتخابية من الأحزاب لإيصال أكبر عدد من مرشحيها إلى المجلس النيابي عبر مخاطبة الشعب، وكثيراً ما يكون التصعيد الخطابي، وأحياناً كثيرة شدّ العصب الطائفي، من عدة هذه المعارك، ويكون مفهوماً حتى لو لم يكن مشروعاً، لأن الخطاب جزء من أدوات المعركة، طالما أن الشعب وتفاعله مع الخطاب هما محور المعركة التي تقرر النتائج، لكن معركة رئاسة الجمهورية لا تخاض في لبنان عبر الخطاب، لأن الرئيس لا يُنتخب من الشعب، بل من النواب، وانتخاب النواب انتهى. اصطفافات النواب في الاستحقاق الرئاسي لا يصنعها الخطاب، ولا يؤثر فيها، بقدر ما يعبر عن اليأس منها.
– الطحين الرئاسي للأحزاب يقوم على حد أدنى يحدّده شرط أول هو فرض حتمية الشراكة عبر صناعة تحالفات تتيح تأمين الثلث المعطل للنصاب، لضمان عدم قدرة أي فريق على تأمين النصاب وإجراء الانتخابات بمعزل عن الحزب المعني وحلفائه، وفي ظل المعطيات المتوافرة لحزب القوات حول الانتخابات الرئاسية، يبدو أن حلفاء القوات الذين يرضون بأن يشكلوا مع نوابها الثلث المعطل للنصاب ما لم يناسبهم اتجاه الاستحقاق الرئاسي ومساره، لم يتجاوزوا رقم الـ 39 الذي ناله زياد حواط في انتخابات أمانة سر المجلس النيابي، والجعجعة تقلص فرص توافر الطحين على هذا الصعيد، لأن البعض من هؤلاء الحلفاء يريد أن تتم إدارة الأمور على البارد لا على الساخن.
– الطحين الرئاسي للأحزاب يستهدف حداً أعلى يحدده شرط ثانٍ، هو السعي لتأمين النصاب بحضور ثلثي النواب لجلسة الانتخاب، عبر خلق مناخ سياسيّ يفيد فيه الخطاب لجهة أولويّة مسؤوليّة النواب في القيام بمسؤوليتهم في ضمان إنجاز الاستحقاق ضمن المهلة الدستورية، بمعزل عن النتائج ومدى تطابقها مع الرغبات. والجعجعة لا تنتمي إلى هذا الخطاب، ويكمله سعي لضمان الأغلبية المطلقة التي تتشكل من 65 نائباً يستطيعون بتصويتهم لصالح مرشح رئاسيّ جعله رئيساً. وهذا يعني نسج تحالفات تتيح عبر التشاور فيما بينها إنتاج اسم مرشح يتيح لهذه التحالفات ضمان انتخابه، ومشكلة حزب القوات أن سقف نجاحه خلال انتخابات رئيس ونائب رئيس وأمين السر في مجلس النواب، كان بتجميع ما دون الثلث المعطّل للنصاب في التصويت لمرشح القوات لأمانة السر زياد حواط بـ 39 صوتاً، وكان بالاصطفاف لدعم مرشح الحزب التقدمي الاشتراكي غسان سكاف لنائب رئيس المجلس ورغم ذلك تجميع سقف بلغ 60 نائباً. وفيما تؤذي الجعجعة فرص الطحين بالحفاظ على الـ 39 نائباً، لا مكان لها في استعادة ما ضاع من فرص التلاقي مع الاشتراكي الذي فتح قنواته نحو نسج تحالفات أخرى، حيث الجعجعة بلا طحين حكماً.
– يعرف رئيس حزب القوات أن فرص تأمين غالبية الـ 65 نائباً متاحة فقط في ضفة لا مكان له فيها، وهي الضفة التي تتشكل من تحالف لم تتوافر ظروفه بعد، ولا رئاسة ما لم تتوافر هذه الظروف، وهو التحالف الذي يضم حركة أمل والتيار الوطني، ومن حولهما حزب الله والحزب الاشتراكي وعدد من النواب المستقلين والمردة ونواب الثامن من آذار. وأن البحث الجدي نحو هذا التحالف لم يبدأ بعد، والأرجح أن لا يبدأ قبل النصف الثاني من تشرين الأول، بعد صدور قرارات المجلس الدستوريّ حول الطعون النيابية، وانقشاع الغموض الإقليميّ، واتضاح صورة مسار الترسيم الحدوديّ.
– ما قيمة الجعجعة ما دامت بلا طحين، بل ما قيمة مناقشتها ما دامت إعلان يأس من الطحين؟