أثَرُ مواقع التّواصل الاجتماعيّ في التّشتُّت المُجتَمَعيّ والأُسريّ
إلهام عواضة*
حَقَقَّت ثَورة الاتصالات في السّنوات العَشر الأَخيرة نجاحاً باهراً ولا زالت في طور تَحقيق المَزيد من النَّجاحات والتّقدُّم، وفي إطار المُنافسة والتّسابُق بينَ الشّركات الكُبرى لتَقديم البَرامج الذَكيّة الأسرَع والأكثَر تطوّراً وتحديثاً للبَشَريّة التي بدَأت تدفع ثَمَن ذلكَ التّطوّر نِسبيّاً بالرُّغمَ ممّا قدّمَتهُ من خدمَاتٍ وأرباحٍ لا سيّما على مستوى التّربية والمُجتمع وعاداته وتقاليده التي أصبحَ جزءٌ كبيرٌ منها منَ الماضي والتُّراث الذي نفتقدُهُ شيئاً فشيئاً.
ازدادت حالات التّفكُّك المُجتَمَعيّ والتّشتُّت الأُسَري في الآونة الأخيرة، بحسبِ ما كَشَفَت الأبحاثُ الاجتماعيّة، وتشتدّ وطأةُ هذا الازدياد خصوصاً بعدمَا أصبح أغلب الأفراد مدمنين لمواقع التّواصل الاجتماعي وصاروا أسرى للأوهَام والأفكار التي تدفعهم إلى عدَم تقبُّل الرّضا لحياتهم الحقيقيّة، مُكترثين بكُلّ ما يَرَونهُ في مواقع التواصل.
فوِفقاً للمختصّين النّفسيّين والاجتماعيّين الذين أدلوا بِبَعض تجاربهم مع الأفراد أنَّ أغلب مشاكِلِهِم في المُجتَمَع تأتي من عدَم الثَّقة بالنَّفس والشّعور بعدَم القبول بين أفراد المُجتَمع، فاليوم أصبَحَ أغلب الأفراد مهووسين بالمثاليّة التي يرونهَا في الصّور من رحابِ العَالم الافتراضي التي يتمّ تعديلُها، كما تخضع للعديد من البرامج في سبيل الوصول إلى تلك المِثاليّة، فيَقَعُ الفرد ضحيَّة أفكارٍ وهميَّةٍ، تُقلِّل مِن ثقتهِ بنفسه ممّا يشجّعه على إنشاء عالمه الافتراضيّ الخاصّ، وبالتالي الابتعاد عن المجتمع والأسرة، وبذلك يخطو الخطوة الأولى في التّفكّك المجتمعيّ والتشتّت الأسري بمجرد تعميم هذه الحالة، وتبدأ لحظة الانهيار بتقلّص عدد الزّيارات الاجتماعيّة المتبادلة اختصاراً للوقت، ولتحتلّ مكانها حياةً افتراضيّةً، فينغمس البعض بها من خلال تقديم التّهاني أو واجب العزاء عبر الهاتف، أو تبادل التّهاني بالأعياد والمناسبات، إضافةً إلى المشاكِل الأسريّة التي يسَبّبُها عدَم الرِّضا عن حياتهِم، وانعزال كُلِّ فَردٍ عن باقي أُسرتِه، واللُّجوء إلى تصفُّح مواقع التواصل للتَهَرُّب من جوّ العائلةّ الأمرُ الذي يجعَلِ المُشكِلة أكثَر تَعقيداً، فبدلاً من أن يطرح المشكلة التي يواجهها على الأُسرة لحلِّها، يزداد ابتعاداً وتأثّراً بتلك الأفكار الافتراضيّة والوهميّة بمُشارَكَتهِم صوراً ليقنعوا أنفُسَهُم أنَّهُم سعداء ومثاليّون، بينما واقعهم مليء بالبعد عن الحياةِ الحقيقيّة، وهم مُنعزلون عن عائلتهِم ولا يرون المُجتَمع إلّا من نخلال متابعاتهم الافتراضيّة، عدَا عن الوقت الذي يضيّعه أولادهُم خاصّة الفئة العمريّة التي تترواح بين ٨–١٨ سنة والتي تقضي وقتاً يتجاوز ٧ ساعاتٍ يومياً على الهواتف الذّكيّة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ، بحيث ينعزلونَ عن عائلَتهم ما يتعدّى ٥٠ ساعة أسبوعياً مِمَّا يقلِّل من توطيد علاقاتهم الأسريَّة، وقتل مهاراتهم وذلك نتيجة الصّعوبة في تركيزهم الذّهنيّ، إضافةً إلى مشكلة السُّمنة لكثرةِ الجلوس، وفي استطلاع للأسر عن طريقة قضاء وقتِهِم مع العائلة، كانت أغلب الأجوبة أنّه من النادرِ أن يقضوا وقتاً عائليّاً مع والديهم، والسّبب أنّهم يقضونه على مواقع التواصل، وما يبقى منه لإنجاز عمل داخل المنزل وخارِجه.
مِن هُنا كان الاستنتاج بأنَّ أغلب الأُسَر والأفراد قد دخلوا في عُمق مواقع التواصُل، ووقعوا في فَخّ هَدمِ الأُسَر والمُجتمَع ممّا أدّى إلى تشتُتِهِم وفقاً لما يلي:
1 ـ إضاعة أوقات الأفراد والتّعارُض مع مسؤولياتِ العَمَل.
2 ـ إختراق خصوصيّة الأفراد مِن خِلال استهداف حاجَات الفرد بالإعلانات من البحث الذي يستخدمهُ الفَرد أثناء التصفُح.
3 ـ ارتفاع نسبة الطّلاق بسبب مواقع التّواصل الاجتماعيّ.
4 ـ طمس العَادات والتّقاليد من خلال الانفتاح الزّائِد الذي يكسِر ويُخالِف عادات وتقاليد مجتمعاتنا واستبدالها بعاداتٍ وتقاليدَ جديدةٍ وغريبةٍ.
5 ـ ازدياد حالات الانتحار والاكتئاب والقلق بسبب التّنمّر على مواقع التّواصل الاجتماعيّ.
لذا علينا عدَم الرّضوخ للعالم الافتِراضي بوجهه السّلبيّ، بل علينا التحكّم به، وذلك من خلال استخدامه لترويج أعمالنا، وتقديم ثقافتنا لكن دون الإفراط باستعماله، بل علينا العمل من أجل تصويب وتحسين واستثمار استعمال تلك الوسائل بالشّكل الإيجابيّ لا السّلبيّ، وبالطّريقة التي تتناسب مع ثقافتنا ومفاهيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، لا أن نحوّلها إلى سلاحٍ هدّامٍ يدمّر مجتمعاتنا.
*كاتبة في التربية المختصة