الترسيم والضمانات… قانا وأُحجية التعويضات
خضر رسلان
في أجواء الحديث عن ترسيم الحدود بين لبنان والكيان «الإسرائيلي» المحتلّ برعاية وضمانة من الولايات المتحدة الأميركية يتواتر في الكثير من المواقع الإعلامية أنّ الجانب «الإسرائيلي» ربط موافقته على «التنازل» عن جزء من حقل قانا النفطي والغازي الذي يقع خارج خط الـ 23 بالحصول على تعويضات توازي ما سوف يتمّ «التنازل» عنه باعتباره بحسب زعم الكيان المحتلّ أنّ الحقل المذكور جزء من المياه الإقليمية الفلسطينية وبالتالي يتبع لـ «سيادة» الكيان الغاصب.
من خلال ما تقدّم يتضح وجود ثلاثة عناوين تتعلق بالموقع الجغرافي لحقل قانا والتعويضات المقترحة والجهة الضامنة…
1 ـ حقل قانا وما بعد قانا:
إنّ المستندات التاريخية الموثقة من عشرينيات القرن الماضي الى اتفاقية السابع عشر من أيار في العام 1983 التي وقعها لبنان المحتلّ آنذاك مع الصهاينة نصّت في أحد بنودها بناء على المستندات الواضحة أنّ الحدود تبدأ من رأس الناقورة عند معلم محدّد بمحاذاة فلسطين المحتلة، وبالتالي فإنّ الحدود التاريخية البحرية تضمّ ما بعد خط 29 بأميال وقد جرى التلاعب بها من جهات داخلية وخارجية. أضف الى ذلك أنّ الظروف السياسية التي كانت سائدة عند بدء المفاوضات قبل ما يربو على عشر سنوات المترافقة مع سيف العقوبات والغطرسة الأميركية المتواصلة أملت على الجانب اللبناني المتعدّد الاتجاهات الى القبول بأقلّ من حقه. ومع ذلك كان التسويف والمماطلة من قبل الأميركي و»الإسرائيلي» ظاهرًا بوضوح بهدف حرمان الشعب اللبناني من حقه في الاستفادة من ثرواته الى ان حصل المتغيّر الأوكراني الذي أبدَل الاستراتيجية الأميركية رأساً على عقب، وبالتالي أصبح إنجاز ملف الترسيم حاجة أميركية و»إسرائيلية» واضحة.
2 ـ التعويضات: من يعوّض لمن؟
رغم أنّ الثابت التاريخي يؤكد انّ الحق اللبناني الجغرافي يمتدّ الى ما بعد الخط 29 البحري ويضمّ في ثناياها حقل قانا وهذه الأمر قطعي ومحسوم إلا أنّ الجانب «الإسرائيلي» مدعوما بحليفه الأميركي يُصرّ على أخذ تعويضات مقابل «تنازله عن حقه» المزعوم في حقل قانا، وفي هذا السياق فإنّ اسم قانا الجليل الجنوبية (التشابه هنا فقط في الاسم لكن مع جغرافيا مختلفة) محفور في وجدان وقلب كلّ لبناني أصيل بل كلّ إنسان حر وشريف حيث لا يمكن ان تُنسى مجزرة قانا الأولى في 18 نيسان 1996 التي تمّت في مركز قيادة فيجي التابع لقوات «يونيفيل في قرية قانا الجليل حيث قامت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» بالإغارة على المقرّ بعد لجوء المدنيين إليه هرباً مما يسمّى عملية عناقيد الغضب التي شنّتها «إسرائيل على لبنان»، وقد أدّى قصف المقر إلى استشهاد 106 من المدنيين وإصابة الكثير بجروح، بالرغم من انّ التاريخ الصهيوني بحقّ لبنان أرضا وشعباً مملوء بالقتل والمجازر والتدمير إلا انّ حادثة قانا الجليل كانت الأكثر صلافة وإجراماً لأنها كانت تحت مظلة وحماية الأمم المتحدة، ومع ذلك لم نجد من تجرّأ وطالب سواء من أطراف داخلية أم دولية وأممية وحقوقية المعتدي «الإسرائيلي» على وجوب ان يدفع التعويضات سواء عن قانا وأخواتها من مجازر واعتداءات طاولت الأرض والبشر ومنذ عشرات السنين وهي بالتأكيد تعويضات إن قدّر لها أن تتحقق لا يمكن لها ان تعوّض الأرواح التي سفكت صبراً وغيلة وظلماً، فمن يعوّض من…!؟
3 ـ الضمانات والانحياز الأميركي:
من المؤكد والمسلّم به أنّ ايّ اتفاق بشأن الترسيم يمكن ان يوقع بين لبنان والكيان «الإسرائيلي» لا بدّ أن يترافق مع ضمانات موثقة تتيح للدولة اللبنانية البدء في التنقيب تمهيداً لاستخراج الثروت النفطية من كامل الحقول في الجغرافية اللبنانية وبالتالي فإنّ اتفاقية الترسيم سوف تبقى مشروطة بالاستفادة اللبنانية من الثروات دون ايّ عوائق أو موانع، وبلحاظ السياق التاريخي حيث أثبتت التجارب والوقائع تنصل الولايات المتحدة من التزاماتها وعهودها وضماناتها وليس فقط حين رعايتها لاتفاقيات ثنائية كخرقها لاتفاقية اوسلو وحلّ الدولتين الذي رعته بل لعدم احترامها للمواثيق والقرارات الدولية ومنها اعترافها بالقدس عاصمة للكيان «الإسرائيلي» المحتلّ، فضلاً عن ذلك فإنّ ذاكرة اللبنانيين لا تزال حية حينما اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين «إسرائيل» بعد ارتكابها مجزرة قانا الأولى في 18 نيسان 1996 فإنّ الولايات المتحدة (الدولة الضامنة) أجهضت القرار باستخدامها الفيتو في انحياز واضح ومتكرّر لحليفها «الإسرائيلي»، من غير اكتراث واهتمام بدماء ومشاعر اللبنانيين وحقهم الإنساني استناداً الى ما سلف وفي ظلّ طغيان سياسة الهيمنة والتسلط وإهدار الحقوق وحيث انه لا وجود لموازين العدل والانصاف بل تسود منهجية المصالح والمنافع، وبما انّ العالم لا يحترم الا الأقوياء فإنّ الضامن الوحيد للدولة اللبنانية وللشعب اللبناني للحصول على الثروات الوطنية والاستفادة منها هو التمسك بالقاعدة الذهبية شعب جيش مقاومة التي أثبتت جدواها في الكثير من المحطات، لا سيما ملف الترسيم نفسه فضلاً عن أنها أنتجت ولا تزال عنصر أمان وقوة وحيدة تصون الوطن وتحفظ مقدراته وثرواته.