“فتنة المرفأ” وأهداف بيطار… متى يستقيل؟
محمد حمية
ليست مفاجئة التطورات الدراماتيكية التي تحصل في الشارع في قضية التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، فالمسار القضائي والقانوني الذي اتبعه المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، كان واضحاً أنه سيؤدّي الى فوضى دستورية وقانونية وفتنة بين أبناء الوطن الواحد حتى بين أهالي الضحايا أنفسهم.
لم يكتفِ بيطار بمخالفة الدستور والأصول القانونية والقضائية بمدّ اليد على صلاحيات مجلس النواب والمجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء في ممارسة الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، بل قضى معظم الوقت منذ تعيينه محققاً عدلياً في رحلة البحث عن الجهات الوزارية والإدارية التي أهملت واجباتها الوظيفية في المرفأ قبل الانفجار، واستبعد من جدول أعماله التحقيقي الجوانب الجنائية والأمنية والمسبّب المباشر للتفجير والمسؤولين عنه من لحظة السماح بإدخال باخرة نيترات الأمونيوم الى لبنان ثم رسوّها على “السلسول” ثم صدور الإذن القضائي بتوضيبها في العنبر رقم 12 مروراً بسرقة جزء منها وتهريبه الى سورية وصولاً الى انفجار النيترات.
لم يقدّم بيطار أيّ قرار ظني يتضمّن سيناريو ومعطيات وقرائن وأدلة عن سبب التفجير والمتورّطين رغم مرور حوالي العام على تعيينه في الفترة التي سبقت كفّ يده، بل استخدم التحقيقات وصلاحياته والدعم الممنوح له من مجلس القضاء الأعلى والدعم الخارجي والشرعية الشعبية كمنصة للاستهداف السياسي والاستدعاءات الانتقائية، ما دفع بالمتضرّرين من سياسيين ووزراء ونواب وأجهزة ومسؤولين إداريين لرفع حزمة من الدعاوى على بيطار بلغت 39 دعوى فأدّت الى كفّ يده منذ أشهر بانتظار تشكيل الهيئة العليا لمحكمة التمييز لكي تبتّ بالدعاوى ولم تتشكل بسبب الخلافات السياسية والاعتبارات الطائفية.
فلا كفّ يد بيطار شكل بداية للحلّ الجذري لتنحيته وتعيين قاض آخر، كما لم تدفعه كلّ هذه الدعاوى الى تقديم استقالته، ولم يجد المعنيون أيّ مخرج دستوري لإقالته إلا ضمن مجلس القضاء.
ومنذ ذلك الحين تحصّن الداعمون للبيطار خلف مجلس القضاء الأعلى ودافعوا عنه كسلطة مستقلة وأشادوا بمناقبيته وتطبيقه للقانون وصموده أمام الضغوط السياسية، ولكن عندما رفع بعض أهالي الضحايا وأهالي الموقوفين الصوت احتجاجاً على تسييس بيطار ملف التحقيقات وتفاقم الظروف الصحية والإنسانية للموقوفين، سارع وزير العدل الى توجيه كتاب الى مجلس القضاء الأعلى الذي تجاوب ووافق بالإجماع على تعيين قاض رديف أو منتدب للنظر بقضية الموقوفين ريثما يتمّ البت بمصير بيطار.
لكن الفوضى القضائية والاستغلال السياسي للقضية، نقل المعركة الى الشارع، وبدأت الفتنة تشرئب أعناقها بين أهالي الضحايا أنفسهم وبين أهالي الضحايا وبين أهالي الموقوفين الذين ينظمون تحركات احتجاجية متقابلة في الشارع، فيما أهالي الموقوفين يحتجون أمام مقر مجلس القضاء ومنزل بيطار والآخرين يقتحمون منزل وزير العدل ويصبّون جامّ غضبهم على الجهة السياسية التي يتبع لها، ويتناسون هم والجهات السياسية الداعمة لهم والتي تؤثر على خياراتهم أنّ مجلس القضاء وافق على كتاب وزارة العدل، ويعترضون على قرار مجلس القضاء اليوم فيما كانوا يشيدون بقراراته عندما دعم بيطار!
واللافت أنّ السياسيين الذين يدعون الى إلغاء المواد القانونية التي تسمح بالتوقيف الاحتياطي للمشتبه بهم، يرفضون كتاب وزير العدل وقرار القضاء بتعيين قاض رديف فقط للنظر بقضية الموقوفين الذين مضى على توقيفهم عامان ونيّف!
واللافت ايضاً أنّ الجهات التي تدعو لاستقلالية القضاء وعدم الضغط السياسي عليه، هي نفسها التي تحرك الشارع باتجاه الضغط على القضاء والوزراء بقوة الاقتحام، فيما واجهوا متظاهري الطيونة بالرصاص الحيّ على الرؤوس.
بموازاة جريمة انفجار المرفأ هناك جرائم لا تقلّ أهمية يرتكبها القاضي بيطار من دون أن يرفّ له جفن…
ـ إخفاء حقيقة من تسبّب بالتفجير والمتورّطين والتأخير في إصدار قراره الظني وحرف التحقيق عن مساره ووجهته وتغييب الحقيقة والعدالة.
ـ إبقاء جرح أهالي الضحايا نازفاً ومفتوحاً على الاستغلال السياسي والطائفي الداخلي والخارجي.
ـ ترك عشرات الموقوفين في التوقيف الاحتياطي من دون أيّ مسوغ قانوني ولا اتهام ولا محاكمات ولا أحكام ولا حتى تحديد مكامن المسؤوليات وترك أهاليهم في غياهب انتظار تدهور صحة أولادهم.
تعريض البلد لفتن طائفية كما حصل في الطيونة التي كادت تهدّد السلم الأهلي والأمن القومي والاستقرار الداخلي.
ـ إيقاع الشرخ والفتنة بين أهالي الضحايا وأهالي الموقوفين.
ـ ترك عشرات آلاف المواطنين والشركات والمؤسّسات المتضرّرين الذين فقدوا منازلهم وسياراتهم وتكبّدوا أضراراً ضخمة جراء التفجير، رهن الانتظار بلا تعويضات.
تساؤلات عدة تحوم حول سلوك بيطار والأهداف التي تعمل جهات داخلية وخارجية على تحقيقها عبره.. هل هي طمس الحقيقة وحرفها عن مسارها باتجاه التوظيف السياسي للانتقام من جهات سياسية أو خدمة لمشاريع خارجية؟ أم هي أسباب مالية تتعلق بالمعلومات التي تتحدّث عن ضغوط شركات التأمين على بيطار لتأخير إصدار قراره الظني أو القول إنّ الانفجار مفتعل بعمل إرهابي او “إسرائيلي” وليس سبباً تقنياً لكي تتهرّب من دفع التعويضات المقدّرة بعشرات مليارات الدولارات؟
إذا كان السلم الأهلي وصرخات أهالي الضحايا وعذابات الموقوفين وأهاليهم وخسائر الناس الباهظة لم تدفع بيطار للاستقالة فمتى يستقيل…؟