هوكشتاين يعدّل مهمّته ليستهلك الوقت… فينتهك السيادة!
ــ فرح بعض المسؤولين اللبنانيّين بعد لقاء الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين بأنهم لم يسمعوا منه، طلباً مباشراً بقبول تأجيل إنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية إلى ما بعد الانتخابات النيابية الإسرائيلية، وضمناً الانتخابات الرئاسية اللبنانية، فيقعون في إحراج لا يرغبون بالتعامل معه سلباً أو إيجاباً، وربما أحسّ بعضهم بالعرفان بالجميل للسيد الوسيط لأنه يتطوّع للمساعدة من خارج مهمته في رعاية عمليات التنقيب المفترضة عن النفط والغاز في الحقول اللبنانية السيادية، ومبادرته لعقد لقاءات تقنية ومالية مع شركة توتال حول كيفية استثمار الحقول اللبنانية بعد إنجاز الترسيم، وكيفية إدارة الكونسورسيوم الذي تديره توتال، والذي خرجت منه شركة نوفاك الروسية بعد مبادلة حصتها في الحقول اللبنانية بحصة توتال مع نوفاك في الحقول الروسيّة، مطمئناً على مسار التفاوض القائم بين توتال والشركة القطرية المختصة بالتنقيب والاستخراج للحلول مكان نوفاك بشراء حصتها من توتال، متطوعاً بكل أريحيّة للمساعدة على إنجاح هذه المفاوضات، مقدماً عرضاً في لقاءاته اللبنانية عن المرحلة التي قطعها في هذا التفاوض، ومشروع سفره إلى الدوحة لمتابعته، لينال الثناء على هذه المحبّة وهذه الغيرة وهذا الحرص.
ــ عملياً، قام هوكشتاين بابتكار مهام ليست من صلاحياته، وهي بكل ما تعني الكلمة شؤون سيادية لبنانية، لا يجوز تحويلها الى شأن تفاوضيّ مع الوسيط بين لبنان وكيان الاحتلال، فيصير الكيان شريكاً فيها، عبر اطلاعه على مسارها، وربط مصير الاتفاق الحدودي بإنهائها، بل ربما بوضع الاحتلال شروطاً للقبول بإنهائها، طالما تم إدخاله طرفاً فيها، فقد صارت شأناً تفاوضياً. والسؤال البديهي هو، هل من مواضيع التفاوض والوساطة، هوية الائتلاف التجاري الذي يقوم لبنان بتكليفه القيام بالتنقيب في حقوله عن النفط والغاز واستخراج الثروات من منطقته الاقتصادية الخالصة؟ وبالمقابل هل من حق لبنان اشتراط معرفة من سيقوم بالمهمة الموازية في الحقول الخاضعة لسيطرة الاحتلال، والمطالبة بوضعها على طاولة التفاوض. وهل ينتبه المسؤولون المعنيون إلى أن هذا التوسّع في مهمة الوسيط الأميركي، ليس تبرعاً ولا تطوعاً، بل هو تمادٍ وتمدّد في المهمة لتطال ما ليس لها، وهذا التمدد يطال شؤوناً سيادية تخصّ لبنان وحده؟
ــ تذرع الوسيط الأميركي بأن إنجاز نهاية التفاوض يرتبط بإنهاء كل التفاصيل المرتبطة بوضع الحقول الواقعة في المناطق المتداخلة جنوب الخط 23، والكيفيات التقنية للاستثمار جزء منها، وكذلك هوية الشركات المعنية، والطرف المقابل، وهو كيان الاحتلال، يريد الاطمئنان الى أن لا تداعيات سلبية لموافقته على التسليم بملكية حقل قانا كاملة للبنان، ويريد أن يعرف سلفاً بأنه لن تكون لموافقته مترتبات سلبية على استثماره في حقل القرش في بحر عكا، وهذا التذرع عملياً، هو تمادٍ غير مقبول، ومردود عليه، وهو يشبه طلب وضع قواعد الاشتباك العسكريّة لما سينشأ من مشاكل خلال تطبيق وقف إطلاق النار، عبر التفاوض قبل التوصل الى قرار بوقف إطلاق النار في الحروب. وهذا يعني إدامة الحرب الى ما لا نهاية، لأن هناك آلاف القضايا التفصيلية التي تتكفل اليوميات العملية بتوليدها، والتي يتم حلها تباعاً، عبر لجان الاختصاص، مع مراعاة مبدأ التوازن السيادي، أي أن كل تدخل من طرف في شأن يوصف سيادياً للطرف الآخر، يوجب المثل، والمثل أصلاً ليس مطروحا عند الوسيط على الإطلاق، عدا عن كون ما يطلبه لبنان هو إنهاء حسم أمر الخط الحدودي، أي ما يشبه وقف إطلاق النار، وبعدها ستكون لجان الناقورة إطاراً صالحاً لمعالجة كل المشاكل اللاحقة، وكل سعي لتوسيع البحث بالتفاصيل التقنية، هو تسويف وتلاعب بالوقت من جهة، وتماد على الحقوق والمصالح السيادية اللبنانية، يشكل انتهاكاً لا يجوز القبول به من جهة مقابلة، وبعد إنجاز الاتفاق يمكن للبنان تعيين السيد هوكشتاين مستشاراً للكونسورسيوم الخاص بالحقول اللبنانية، يتولى المساعدة على تركيب الشراكة بين توتال والشركة القطرية بدل نسبة مئوية من قيمة العقد اذا كان مهتماً بذلك وكانت للبنان مصلحة بذلك، شرط عدم ادخال الإسرائيليين طرفاً ثالثاً في هذا الشأن اللبناني الخالص.
ــ عملياً اخترع الوسيط الأميركي مهمة سوف تستغرق الوقت الذي يحتاجه الإسرائيلي لتجاوز الانتخابات التي لا يريد إنهاء التفاوض قبلها، بما يجعل لبنان معرضاً لدخول الفراغ الرئاسي الذي يصير مطلبا اميركيا واسرائيليا، لتبرير عدم حسم أمر الاتفاق، مع الفوضى الدستورية التي تتكفل بعدم الإجماع على حكومة تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، والعجز عن انتخاب رئيس جديد، والأميركي قادر على إدامة الفوضى والفراغ حتى يبتز لبنان طلباً لتخفيض سقف مطالبه في الترسيم والرئاسة معاً، ما دام قادراً عبر الفوضى والفراغ تطيير الرئاسة والترسيم معاً.
ــ المطلوب لبنانياً أمران، الأول حصر مهمة الوسيط بإنهاء التفاوض على خط الحدود، وترك كل ما بعده لما بعد تباعاً، وما يعنيه ذلك من رفض فتح ملفات سيادية أمام التفاوض، بينما يمسك الاحتلال بملفاته الموازية لنفسه، والثاني وضع مهلة من الجانب اللبناني، تقع تحت سقف عدم وقوع الفراغ الرئاسيّ، يعتبر حلولها دون إنجاز الاتفاق إعلاناً لنهاية المفاوضات، وفشلها، بما يعني إبلاغ الأمم المتحدة باعتماد الخط 29 حدوداً للحقوق اللبنانية، وفتح الباب أمام المقاومة لفرض معادلاتها، وبهذين فقط سيعود الوسيط الأميركيّ سعياً للحل التفاوضي وتفادياً لخطر الحرب.