في خطوط الترسيم البحري المطروحة وقانونيتها حذار من التفريط…
د. محمد طي
تُتداول في الوقت «الضائع» تسريبات بشأن موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، ويُخشى من التفريط الناجم عن الاستعجال أو عن عدم الإلمام بكلّ الجوانب الواقعية والقاونية للموضوع. ما دفعنا مجدّداً إلى إبداء رأينا في هذا الشأن الخطير.
أربعة خطوط اقترحت للترسيم، منها خط طرحه العدو الصهيونيّ، وخط طرحه «المفاوض» الأميركي هوف، وخطان طرحتهما جهات لبنانية، فما مدى قانونية هذه الخطوط؟
الطريقة المطروحة في الترسيم هنا هي طريقة «خط الوسط» مع «ومعطيات أخرى» وتشمل هذه المعطيات:
- 1. طول الواجهات البحرية.
2.التشكّل العام لكلّ من الشاطئين، هل هناك تعرّجات كبيرة، أو هناك جزر…؟
- 3. البنية الفيزيائية والجيولوجية للجرف القاري، انكسارات في قاع البحر، أودية سحيقة…
- الاتفاقات الخاصة .
على أن يبدأ خط الوسط من نقطة التقاء الحدود البرية مع البحر.
فلننظر في وضع حدودنا البحرية مع فلسطين المحتلة…
1–نقطة بداية الخطوط:
ـ خط العدو يصل من الشاطئ إلى النقطة 1 التي انتهى عندها الترسيم مع قبرص. علماً أنها لم تشكل نهاية الحدود، وقد عُدّت مؤقتة بانتظار الاتفاقات مع سائر الأطراف. وهي لا يمكن أن تعني العدو لأنّ مفاعيل الاتفاقات تقتصر، حسب قانون المعاهدات، على الجهات التي أبرمتها (قاعدة نسبية المعاهدات).
ـ خط هوف يبدأ من نقطة داخل البحر تبعد ثلاثة أميال عن الشاطئ.
ـ الخط 23 يبدأ من نقطة داخل البحر تبعد 28 متراً عن الشاطئ، وبعد أن يسير باتجاه يميل قليلاً إلى الشمال الغربي، ينكسر من جديد ليلاقي النقطة 23.
وما من سبب قانوني لهذه الاعتباطية في تحديد بداية خط الترسيم ولا في مساره.
ـ خط واحد يبدأ من نقطة التقاء الحدود البرية مع البحر هو الخط 29، ينطلق من النقطة B1 الأصلية المرتبطة بالنقطة Bp1 في أعلى الصخرة المجاورة. إذاً هذه هي بداية خط الترسيم القانونية.
2 ـ الواجهات البحرية
ما يهمّ هنا هو ما يعطى من مفعول لرأس حيفا، فهذا الرأس يدفع بالشاطئ الفلسطيني حوالي 7-8 كلم إلى الغرب مشكلاٍ زاوية تؤثر في مسار خط الترسيم المتساوي الأبعاد بالنسبة لنقطتي «علام» متساويتي البعد عن نقطة الحدود. لكن هل يعطى مثل هذا التقدّم للشاطئ الفلسطيني (بعمق 7-8 كلم) مفعولاً كاملاً مقابل الشاطئ اللبناني البالغ 220 كلم، فيدفع الخط الذي بدأ من نقطة الحدود باتجاه شمالي غربي إلى درجة مساواة مفعوله بمفعول كامل الشاطئ اللبناني. علماً أنّ القانون الدولي يأخذ طول الواجهات البحرية عاملاً في رسم الحدود، كما رأينا، عن طريق منحها مفاعيل متناسبة مع هذا الطول.
3 ـ صخرة تخليت
تخليت هي عنصر بحريّ يغمره الماء (كما في الرسم رقم 2)، يبعد 1000 متر عن الشاطئ الفلسطينيّ و1800 متر عن نقطة الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية.
يدّعي الصهاينة أنّ تخليت جزيرة ولها مركز الجزيرة القانونيّ، بمعنى أنّ لها مياهاً إقليميّة ومنطقة متاخمة ومنطقة اقتصاديّة خالصة… وقد استجاب لهم هوف، متذرّعاً بالمفعول التناسبي مع جُزَيراتٍ لبنانية تبعد أمتاراً قليلة عن الشاطئ، فمنح تخليت مفعولاً هائلاً، مقتطعاً 1800 كلم2 من المياه العائدة إلى لبنان. فيما أعطى الجُزيرات اللبنانية مفعولاً ضئيلاً لا يتجاوز 29 كلم2.
إلاّ أنّنا في ضوء القانون الدوليّ نرى أنّ تخليت صخرة، مهما كان حجمها، ومساحتها لا تتجاوز 200 م2 على أيّ حال، وفي أوضاع مماثلة لم تعطِ المحاكم الدولية أيّ مفعول لتكوينات كهذه .
تستند المحاكم في ذلك إلى المادّة 121/3 من قانون البحار التي تنصّ على أنّه «ليس للصخور التي لا تؤمّن استمرار السكنى البشريّة أو استمرار حياة اقتصاديّة خاصّة بها، منطقة اقتصاديّة خالصة أو جرف قاريّ».
الرسم رقم 2 (صخرة تخليت وقد بدت مغمورة بالماء)
أما الشرطان المتعلقان بالبنية الفيزيائية والجيولوجية للجرف القاري وبالاتفاقيات الخاصة تاريخية كانت أم حديثة، فلا محلّ لهما.
من هنا فإننا نحذر من أيّ تنازل من الجانب اللبناني يعطي مفعولاً لصخرة تخليت أو يقبل بالمفعول المبالغ فيه لرأس حيفا.
هوامش:
1 ـ Cf P. Daillier A. Peller op.cit. PP 1189 et 1190
2 ـ – Cour permanent d’arbitrage، Arbitrage relatif à la mer de Chine méridionale، République des Philippes et République populaire de Chine، affaire n°2013-19، 12 juillet 2016. Affaire Nicaragua c. Honduras، 8 octobre 2007. P. 73، §268، 302، et12. V cartes no 3 P. 82، no 5 P. 86، no 7، P.91 et No 8 P 92. Qatar c. Bahreïn، CIJ، REC 2001، P، 94. §176. Cameroun c. Nigerie، CIJ، Rec. 2002، P. 441، § 288، Roumanie c. Ukraine 3 février 2009، P. 62. §206 (Délimitation maritime et questions territoriales entre Qatar et Bahreïn (Qatar c. Bahreïn)، fond، arrêt، C.I.J. Recueil 2001، p. 104-109، par. 219(. République fédérale d’Allemagne/Danemark ; République fédérale d’Allemagne/Pays-Bas)، arrêt، C.I.J. Recueil 1969، p. 36، par. 57 ; Bangladesh/Myanmar)، arrêt، TIDM Recueil 2012، p. 47، par. 151. Plateau continental (Jamahiriya arabe libyenne/Malte)، arrêt، C.I.J. Recueil 1985، p. 48، par. 64.
ومن الجزر التي لم تؤخذ بالحسبان لترسيم الحدود: أبو موسى في التحكيم بين دبي والشارقة. جربة أمام محكمة العدل الدولية بين ليبيا وتونس. فيلفلة أمام محكمة العدل الدولية بين ليبيا ومالطة. جبل الطير وزبير في التحكيم بين اليمن وأريتريا. الرمال أمام محكمة العدل الدولية بين نوفاسكوتيا ونيو فوكلاند ولابرادور (2001). حكم ترسيم الحدود البحرية بين الصومال وكينيا في المحيط الهندي (الصومال ضدّ كينيا 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2021).