مقالات وآراء

أوروبا ونقطة اللاعودة

} رنا جهاد العفيف

دول أوروبية تشهد تظاهرات شعبية ضدّ حلف الناتو، وشعوب بدأت تتلمّس خطر ما ينتظرها في بداية الشتاء، وركود اقتصادي قضّ مضاجع الأوروبيين، وتقارير تتحدث عن حلول ناجعة في عام ٢٠٢٣، ناهيك عن المعالجات الموضوعية الغير كافية في مراجعة أساس العلاقة مع روسيا والولايات المتحدة، قبل استفحال توسع الاحتجاجات والأزمات، ماذا عن تقييم المشهد، هل سنرى غضباً شعبياً وتحركات قد تكون احتجاجية على غلاء الأسعار والتضخم وإلى ما هنالك من ارتفاع تشهده أوروبا، لا سيما الحديث عن خروج التظاهرات ونوعية ما يرفع من شعارات في تشيكية وألمانيا؟

دول أوروبية تشهد تظاهرات شعبية ضدّ حلف الناتو وحرب العقوبات على روسيا، التي من خلالها بدأت تتلمّس شعوبها خطر ما ينتظرها في بداية الشتاء، دون تحركات، إذ يتحدث خبراء غربيون عن أرباح ضخمة جنتها روسيا من وراء العقوبات، وسط تراجع النخب الأطلسية حساباتها بعيداً عن واشنطن، لا سيما هذه النخب الحاكمة تحديدا دخلت في مأزق سياسة التبعية الأميركية وكانت أساس الأجندة الأميركية في هذه اللعبة فارتدّت على شعوبها دون سابق إنذار، ودون حسابات تدلي بخيارات مخاطر الركود الاقتصادي، لتتجنّب أقلّ ما يمكن ارتداد العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على روسيا، وبذلك بكلّ تأكيد سيكون لها مخاطر كبيرة تؤدّي إلى انقسام الشعوب الأميركية ونخبها الحاكمة، لا سيما تباين خيارات الدول سيكون لها أيضاً انتكاسات وارتدّت على استمرار وحدة الأوروبيين، أيّ بمعنى هيكل اتحادهم لا يجدي نفعاً وقد لا يصلح حتى لعودة العلاقة مع روسيا ولو بشكل ضيّق، لماذا؟ لأنّ الأزمة الاقتصادية التي نشهدها في أوروبا تضع مجتمعاتها في مأزق معيشي مزرٍ مع تنامي الفقر المدقع في حال استمرت سياسة العدائية الواشنطية على روسيا

هذا ما حذرت منه نخب أطلسية حاكمة، وقبلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إذ قال «إنّ زمن الوفرة قد ولى»، واليوم لامست مؤشرات التضخم قرابة التسعة في المئة، وذلك بسبب ارتداد العقوبات كما ذكرنا أعلاه، ومعها الاتحاد الأوروبي على روسيا، وكان ردّ الأخيرة، شنّ حرب الغاز والطاقة.

إذن مشهدية الاحتجاجات الغاضبة من الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار هي نتاج اللغط السياسي خلفته الولايات المتحدة دون حسابات الوعي السياسي، وكانت سبباً رئيسياً لتدهور الوضع المعيشي في دول أوروبية التي دخلت حيّز الضيق والفقر المتنامي يوماً بعد يوم بعد شدة قياسية ولأول مرة منذ عقود تشهد أسواق الطاقة اضطرابات، وهنا يستوجب السؤال السياسي التحضيري ألا وهو ماذا عن الأزمات التي تعصف بالقارة العجوز؟ وماذا عن المظاهرات المنددة بهيمنة الناتو على اقتصادات الدول الأوروبية؟

لافتة ارتفعت وسط باريس ليخرج الناتو، وهتافات الفرنسيين على وقع ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، هذه التظاهرات تحاكي تظاهرات تشيكية إذ شهدت مسيرات حاشدة وندّد المشاركون فيها بتأثير سياسات الناتو والاتحاد الأوروبي على بلادهم (فرنسا، تشيكيا، ألمانيا) وكذا في مدينة كاسل خرج الألمان للاحتجاج بتوريد السلاح إلى أوكرانيا وهذا اعتراف منهم كافٍ لإدانة ومحاسبة واشنطن، إذ تحدث مسؤول ألماني سابق عن عواقب خطرة بسبب السياسة الأميركية الخاطئة وغباء السلطات في بلاده، خاصة في ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا على حدّ تعبيره، أيضاً في إيطاليا تسعة ملايين إيطالي من الذين يمثلون سدس إجمالي السكان، قد يكونون على حافة الهاوية، او ربما سوف يسقطون في براثن الفقر، وهذا أيضاً بسبب أزمة الطاقة، والمتضرّر هنا يعدّ جنوب البلاد، إذ أنّ فواتير الطاقة باتت تقضّ مضاجع الأوروبيين الذين يستعدّون لشتائهم القارس، وجيوبهم خالية من المصروف.

وفي المملكة المتحدة بدأ البريطانيون يقلصون إنفاقهم المنزلي للطاقة، وذلك بسبب المخاوف التي تحدق بالتضخم في البلاد إلى 15%، مع احتمال لجوء معظمهم إلى الوجبات السريعة ومع ذلك هناك عدة ضربات مزدوجة ومتلاحقة التكاليف بأسعار الغاز، وهذا الخطر ما بعد الأكبر، بحسب تقرير من مؤسسة فونديشن الفكرية البريطانية المستقلة باستمرار متوسط بدخل الأسرة في الانخفاض المتلاحق

لا حلول ناجعة ولا حتى المواضيع الموضوعية الشاغلة وسط الأوروبيين، من حيث التقييم قد نرى غضباً شعبياً وتحركات مع بداية فصل الشتاء، بما أنّ الوضع وصل إلى حدّ     الازدراء مع احتمال الانهيار السياسي الأوروبي بسبب مخلفات تدهور العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على روسيا والتي ارتدّت عليها بالإيجابية، وقد اعترف الغربيون بذلك وقالوا إنّ روسيا كسبت الكثير من حرب العقوبات، ودفعت بصحافي فرنسي للقول إنّ موسكو تعترف بتخمة الأموال من عائدات النفط والغاز، فهل سنشهد انقسامات بين الشعوب الأميركية ونخبها الحاكمة، في ظلّ مخاطر التظاهرات الشعبية وحرب العقوبات؟ على ما يبدو هناك موجة سياسية حارة تنتظر أوروبا عقب تداعيات المأزق الاقتصادي وعليها قد تكون وصلت إلى نقطة اللاعودة…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى