الجامعة اللبنانية تحتضر… وأموالُها مُحتجَزة لدى مخالفي القانون!
} أحمد بهجة*
كما هي الحال مع كلّ أزمة في هذا البلد، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، لم تجد الجامعة اللبنانية حلاً للمشكلة القائمة منذ أوائل تموز 2021 بينها وبين شركات الطيران التي تستخدم مطار بيروت الدولي ومع شركة طيران الشرق الأوسط، رغم المتابعة الحثيثة التي تقوم بها رئاسة الجامعة اللبنانية التي حصلت حتى الآن على وعود كثيرة بحلّ هذه المعضلة… إلا أنّ المماطلة تبقى سيدة الموقف حتى الآن، بانتظار القرار الحاسم من السلطة التنفيذية التي يقول كثيرون إنّها هي بالذات مصدر المماطلة والتسويف والتأجيل في هذا الملف الحساس جداً الذي يطال مستقبل شريحة واسعة من شباب لبنان…
القصة بالمختصر بدأت مع تزايد الإصابات بفيروس كورونا بين الوافدين إلى لبنان من الخارج وخاصة عبر مطار بيروت الدولي وضرورة إجراء فحوصات pcr لجميع هؤلاء الوافدين.
وبما أنّ أجهزة وزارة الصحة العامة كانت بحاجة إلى دعم من جميع النواحي لكي تقوم بما هو مطلوب منها لمواجهة جائحة كورونا، وبالدرجة الأولى رفدها بكادر بشري ملمّ بالمجال الصحي، قام وزير الصحة السابق الدكتور حمد حسن برعاية إبرام اتفاقية بين الوزارة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني، تتولى بموجبها الجامعة تأمين الكادر اللازم لإجراء فحوص PCR للوافدين، وتمّ تحديد كلفة الفحص الواحد بـ 50 دولار أميركي يسدّدها المسافر لشركات الطيران من ضمن ثمن تذكرة السفر، على أن تحوّلها شركات الطيران لحساب شركتي التشغيل الأرضيتين في المطار (MEAG و LAT) واللتين تحوّلهما حساب الجامعة اللبنانية في المصرف المركزي، بعد تدقيق وزارة الصحة.
ويوضح رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور بسام بدران “أنّ الجامعة قامت بعدد من فحوصات الـ PCR في المطار بين الأول من تموز و٣١ كانون الأول ٢٠٢١، وأيضاً حتى ١٠ كانون الثاني ٢٠٢٢، وتقدّر حصة الجامعة من هذه الفحوصات بحدود ٥٢ مليون دولار”.
علماً أنه في بداية تنفيذ الاتفاقية كانت الأمور تسير على ما يُرام، وكانت غالبية شركات الطيران تفسح المجال أمام المسافرين للدفع بشيكات مصرفية، وتحوّل إلى شركتَي الخدمات الأرضية شيكات مصرفية بالدولار من حساباتها في المصارف لتحويلها إلى حساب الجامعة اللبنانية في المصرف المركزي، بعد تدقيق وزارة الصحة. وكانت الجامعة تتقاضى الشيك المصرفي (بالدولار) من المركزي على أساس سعر المنصة (3900 ليرة)، من دون أن يشكّل ذلك عائقاً، خصوصاً أنّ سعر المنصة «كان قريباً من سعر صرف الدولار في السوق الموازية (6 آلاف ليرة).
المشكلة استجدّت في تموز 2021، حين اتّخذت شركات الطيران قراراً بتقاضي أسعار تذاكر السفر بالدولار الـ «فريش» أو ما يعادله بالليرة على أساس سعر الصرف في السوق الموازية. هكذا، وجدت الجامعة نفسها أمام معادلة خاسرة: الشركات تقبض بالدولار الطازج، وتحيل إلى حسابها في المركزي شيكاً مصرفياً بدل أتعابها تتقاضاه على أساس سعرٍ غير عادلٍ بقي متوقّفاً لفترة طويلة عند 3900 ليرة، قبل أن يتمّ رفعها إلى 8000 ليرة مطلع كانون الأول 2021، ورغم ذلك بقيت المعادلة خاسرة بالنسبة للجامعة اللبنانية التي من حقها تقاضي المبالغ بالدولار “الفريش” تماماً كما تفعل شركات الطيران، والتي أردات من خلال هذا التدبير إطفاء خسائرها في المصارف اللبنانية، وذلك عبر تحويل الدولارات “الفريش” التي تقبضها من المسافرين إلى حساباتها في الخارج، وتحوّل بدلاً منها إلى الجامعة اللبنانية ووزارة الصحة شيكات من حساباتها العالقة في المصارف اللبنانية.
وطبعاً يحصل هذا التطاول على حقوق الجامعة اللبنانية بإشراف رئيس مجلس إدارة ومدير عام شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، التي تحتفظ بجزء كبير من الأموال المُحصّلة من فحوص الـ PCR، ومعها شركة “أريبا” العائدة لمجموعة الأخوين ميقاتي، وهو ما لم ينكره ماهر ميقاتي (نجل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي) حين حاول التنصّل من مشاركته في أكل حقوق الجامعة اللبنانية!
أما صاحب الرعاية الأول والأساسي لهذه المخالفة الكبيرة فهو (ما غيره) صاحب المخالفات الكبيرة بحق لبنان واللبنانيين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كون المصرف المركزي هو المالك الفعلي لشركة طيران الشرق الأوسط، وكون الدولارات “الفريش” مصيرها أن تصبّ في خزنته، كما صبّت سابقاً كلّ أموال المودعين والتي لم تذهب أدراج الرياح، بل ذهبت إلى الحسابات الخاصة في الخارج بمشاركة سياسيين وأصحاب مصارف وعدد من أركان القطاع الخاص والإعلام ورجال الدين.
المسألة اليوم لم تعد تحتمل أيّ تأجيل أو مماطلة، ولا بدّ من اتخاذ القرار الحاسم بإجبار مَن يحتجز أموال الجامعة اللبنانية أن يحوّلها على الفور إلى حساب الجامعة، كما هي بالدولار “الفريش”، بعيداً عن أيّ زعبرة بالشيكات المصرفية و”اللولار” وغير ذلك من ألاعيب صارت معروفة ومكشوفة.
نحن اليوم على أبواب عام دراسي جديد، والجامعة اللبنانية لا يمكن أن لها الاستمرار من دون الحصول على حقوقها المحتجَزة لدى شركات الطيران وشركة “ميدل إيست” وشركة “أريبا”، ومن خلفهم “الحاكم”، وهؤلاء جميعاً بالتكافل والتضامن مسؤولون بشكل مباشر عن أيّ خلل يعترض مسار الجامعة اللبنانية هذا العام، علماً أنّ رئيس الجامعة الدكتور بسام بدران لن يوفر جهداً حتى تصل الجامعة الوطنية إلى حقوقها كاملة، الأمر الذي يسمح لها بالقيام بواجباتها تجاه طلابها وأهاليهم، كما تجاه الهيئتين الإدارية والتعليمية اللتين تتحمّلان المصاعب والمشقات من أجل تأمين استمرار الجامعة في تقديم خدماتها الكبيرة للوطن بأسره.
ونأمل أن تفتح الزيارة التي قام بها الدكتور بدران إلى وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية، الباب أمام المعالجات الجدية، خاصة أنّ الوزير حمية من المشهود لهم بتحقيق الإنجازات الهامة، لا سيما في مطار بيروت الدولي حيث ألزمَ شركات الطيران التي تستخدم المطار أن تدفع الرسوم المتوجبة عليها بالدولار “الفريش” أو على أساس سعر منصة صيرفة، بعدما كانت تسدّد هذه الرسوم على سعر 1507 ل.ل. الأمر الذي رفع مداخيل الخزينة العامة نحو 700 ألف دولار يومياً، وتخطى هذا الرقم المليون دولار يومياً خلال فصل الصيف.
وهذا ما نرجو أن يتحقق في ملف الجامعة اللبنانية في القريب العاجل…
*خبير اقتصادي ومالي