مقالات وآراء

أهالي الجولان المحتلّ في مواجهة مشروع المراوح

} صادق القضماني

إعتمد المشروع الإحتلالي لفلسطين والجولان على تمكين ذاته ككيان متفوّق في مجمل عناصر الحياة الأساسية، كالقوة العسكرية والاقتصادية، واعتبر انّ أحد أهم حروبه الغير معلنة ستتركز ضدّ عناصر الصمود والبقاء لأهل الأرض، وعلى رأس القائمة «الزراعة» التي تشكل أهمّ عنصر يعزز تثبّت السكان بأرضهم ووسيلة غالبيتهم في تحصيل قوتهم اليومي، وكمصدر إنتاج اقتصادي من خلال بيع محاصيلهم، وهي إضافة كونها وسيلة للعيش، فهي من خلال موروثهم التاريخي، تعمّق ذهنية الارتباط فيها والحفاظ عليها لتتناقل الى الأبناء والأجيال القادمة.

رغم انّ العقل الصهيوني الاستيطاني، توجه لتحديث وسائل الزراعة لديه بهدف التميّز والتفوّق، من خلال دعم المستوطنين بكافة الوسائل ليزرعوا كلّ أرض احتلت، بحيث وفروا لهم وفرة من الماء، وبنية تحتية كاملة لتسهيل تطوير قطاع الزراعة، الا أنهم كذهنية استعمارية حاربوا الزراعة لدى السكان المحتلة أرضهم بهدف القضاء على عنصر مهمّ في معركة الصمود، فنشطوا لتهميشها وجعلها بلا جدوى إقتصادية، فالصهيونية عدوة لدودة للزراعة ومزارعي الأرض المحتلة، ولا ينفكّ قادتها في الكيان من استحداث مشاريع تهدف في جوهرها للقضاء على هذا العصب الحياتي للسكان، لتضييق سبل الحياة وتشجيع الهجرة العبثية بهدف حياة أفضل.

 أن نضال أهالي الجولان العربي السوري المحتلّ، ومنذ الأيام الأولى للاحتلال عام 1967، شكل صدمة لقادة الكيان الصهيوني، الذين راهنوا على استسلامهم، والذوبان في مشروعهم، لإستثمارهم في الدعاية المظللة، بأنّ السكان هم جزء من الكيان كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، وراهنوا على عامل الزمن لتطبيعهم وأسرلتهم، كعدد سكان قليل بمقابل تعزيز الاستيطان وزرع الغرباء المستوطنين في الجولان.

فاجأ أهالي الجولان الرازحين تحت الإحتلال قادة الكيان الصهيوني أثناء معركة الهوية، برفض عارم لجميع مخططاتهم وقراراتهم، بتنسيق عميق مع القيادة الوطنية في وطنهم الأمّ سورية، ليعلنوا إضرابهم الشهير عام 1982 ضدّ قرار الضمّ وفرض الجنسية، لينتهي بقرارات دولية تؤكد أن لا شرعية صهيونية على أرض الجولان، وتحقق الانتصار بتثبيت عروبة الأرض والانسان.

انّ اهمّ عناصر الصمود للأهل في الجولان إضافة للذهنية الوطنية التي يناضلون من خلالها تحت راية الإنتماء لعروبتهم ووطنهم الأم، هي الزراعة، فالأرض بالنسبة للمزارع كالأابناء في البيت، والحفاظ عليها من أدبيات التربية والثقافة الموروثة ويمنع بيها للغرباء فكيف للمحتلّ، لذلك دأب العدو الصهيوني منذ مطلع الثمانينات وبهدوء ليحوّل الجولانيين من مزارعين مستقلين، إلى سكان مرتبطين في السوق «الإسرائيلية»، وبدأ بتحويل الزراعة حيث يشتهر الجولانيون بزراعة التفاح المميّز والمطلوب، كارتباط لا جدوى فيه في سبل الحياة اليومية، فتحكموا لسنوات في سعر العرض والطلب، وأفقدوا القيمة الحقيقية للناتج السنوي من التفاح في هدف ترك السكان للزراعة وبالتالي للقضاء على عصب وجودهم الحيوي إقتصادياً ووجودياً.

حافظ سكان الجولان على أراضيهم الزراعية رغم كلّ هذا، بل طوّروها، وابتكروا حلولاً لمشاكل الريّ بصناعة خزانات تعتمد على تجميع مياه الأمطار لاستعمالها في الريّ كبديل عن الشحّ في المياة بسبب سرقتها والسيطرة عليها من قبل سلطات الاحتلال، فعاقبت سلطات الاحتلال الأهل بتغريم السكان وهدمها، تحت رواية أنها مياه السماء للآبار الجوفية وهذه الخزانات هي غير قانونية، لأنها «حقّ» للاحتلال.

في السنوات الأخيرة، تحت ظلّ مشروع الطاقة البديلة، بدأ الكيان من خلال شركة خاصة في تنفيذ مشروع إقامة مراوح عملاقة داخل الأراضي الزراعية المملوكة للسكان، بالقرب من القرى وبيوتهم المتلاصفة بأاراضيهم، فكما ضللوا شعبنا بمشروع الربيع العربي كشعار يدغدغ المشاعر، لتنفيذ مخطط استعماري جديد، يحاول الكيان استثمار الطاقة البديلة كمشروع خدماتي، للقضاء على الزراعة وتهجير ما أمكن من السكان، وربما هي خطة آنية لتنفيذ مخطط أكبر في الجولان لإفراغه من سكانه الأصليين الذين بقوا وأصحاب الأرض والناطقين بلغتها.

يناضل أهالي الجولان منذ سنوات لإفشال هذا المشروع الاستيطاني، بطريقتين، الأولى رفض المشروع وطنياً من خلال إجماع على التصدّي له بكافة السبل ولهم إنجازات وطنية في هذا رسخت ذهنية التحدي والصمود لافشال أايّ مخطط إحتلالي يمسّ هويتهم وبقائهم، والثاني إعتماد المتاح من القانون المفروض قسراً عليهم، ليضعوا هذا الملف أمام محاكمهم لتعرية ادّعاء الشركة بأنه مشروع خدماتي إيجابي،  كما انهم توجهوا للمؤسسات الدولية من خلال الجهة المختصة في الدولة الأمّ سورية، كناطق رسمي والجهة الوطنية المخولة أمام الهيئات الدولية، ليعزز أهالي الجولان ذهنية الانتماء للأرض والوطن، ولفضح البروباغندا الصهيونية التي تعتمد تزوير الحقيقة لرفض أهالي الجولان الاحتلال.

تسرّبت بعض المعلومات في هذه الأيام عن نية الشركة المباشرة في تنفيذ نهائي للمشروع، وبدأ نشطاء الجولان بعقد اجتماعات لدراسة سبل الردّ والتصعيد وأصدروا بياناً في هذا الصدد، وإذا أصرّت الشركة على التنفيذ، فإنّ الجولان على موعد التصعيد الشعبي العام.

إنّ مشروع الطوربينات للطاقة البديلة التي وصفه الكيان كمشروع قومي للكيان، يصادر ما يقارب أربعة آلاف دونم من الأراضي الزراعية، ويقضي على الزراعة، والطيور، وتصدر هذه الطوربينات ذبذبات صوتية مؤذية للسكان،  فيجمع أهالي الجولان العربي السوري المحتلّ وكافة المختصين، بأنّ هذا المشروع تحت مظلة الطاقة البديلة إلا انه مشروع استيطاني خطير، يجب إفشاله بكافة الوسائل…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى