كاريش بتوقيتِ المقاومة
} شوقي عواضة
لم يحمل الموفدُ الأميركيّ (غير النّزيه) عاموس هوكشتاين للبنان في زيارته الأخيرة سوى المزيد من توسيع أزمة ترسيم الحدود البحريّة واسترجاع لبنان لثرواته النّفطية والغازيّة، فالأجواء الإيجابيّة التي تمّ الحديث عنها ليست سوى من منظارٍ (أميركيّ إسرائيليّ) في محاولة لطمس الحقائق وأخذ الملف باتجاه آخر يصعّد من الموقف وسط محاولات هوكشتاين الابتعاد عن المطلب الأساسي باستعادة كلّ الحقوق النفطيّة والغازيّة اللّبنانيّة حيث يعمد الموفد المتبنّي (الإسرائيليّ) في كلّ جولةّ إلى إدخال وطرح شروط جديدة في ظلّ تصاعد لغة التّهديد والتّهويل ( الإسرائيليّة) للبنان بالتزامن مع كلّ زيارة لهوكشتين، وآخر تلك الشّروط كان (الخطّ الأزرق البحريّ) مطالباً بتثبيته لأسبابٍ أمنيّةٍ للكيان الصّهيوني مبدياً مقابل ذلك موافقة الكيان الصّهيوني المؤقّت على الخطّ 23 بنسبة 90 في المئة! وهذا يعني عدم استجابة العدوّ لمطالب لبنان، وبالتالي فإنّ هوكشتاين لم يقدّم أيّ جديد سوى تأجيل التّرسيم وتأخير المواجهة وعدم الوصول إلى اتفاقٍ، بل يريد فرض اتفاقٍ وإلزام لبنان به في محاولة أميركيّة إسرائيليّة لفرض ما يلي:
1 ـ رفع سقف الشّروط (الإسرائيليّة) ورفع مستوى التهديدات للبنان ليقدّم المزيد من التنازلات على قاعدة تنازل الكيان الصّهيوني برّاً مقابل تنازل لبنان بحراً.
2 ـ محاولة (الأميركيّ والإسرائيليّ) كسب المزيد من الوقت وتضييع هدف المفاوضات، والتّصويب على المقاومة وسلاحها وتقديهما بأنها سبب التّصعيد في الأزمة وليس التعنت الصّهيوني الأميركي.
3 ـ إقفال مسار المفاوضات من خلال التعنّت الأميركي الصّهيوني للوصول إلى طرح وصايةٍ دوليّةٍ على البحر لضمان عمليّات إنتاج الغاز في الكيان الصّهيوني المؤقّت وتصديره.
4 ـ تفعيل دور القوّات الدّوليّة في جنوب لبنان برّاً وبحراً وتحويل مهامه إلى مهامٍ عسكريّة كمهام القوّات المتعدّدة الجنسيّات عام 1982 في لبنان.
بالرّغم من تلك الشّروط يدرك الأميركيّون والصّهاينة أنّهم أمام خياراتٍ صعبةٍ في مواجهة حزب الله الذي يرون وفقاً لتجربتهم وتقديراتهم التاريخيّة بأنّهم أمام (عدوٍّ شرسٍ) وأنّ أيّة مواجهة معه سيكون ثمنها عالياً داخل الكيان رغم ارتفاع وتيرة التّهديدات التي صدرت في الإعلام العبريّ. فوفقاً للقناة 12 التي سرّبت تحذيراً صدر عن قائد المنطقة الشماليّة المعيّن حديثاً اللّواء أوري غوردين قال فيه «إنّ إمكانيّة المواجهة مع حزب الله قريبة» مضيفاً «أنّ المنظر الخلاب الهادئ في الجليل الأعلى والجولان يمكن أن يكون خادعاً ولا يعكس عدم الاستقرار والارض المضطربة إلى الشّرق والشّمال»، أمّا صحيفة (إسرائيل اليوم) فقد نقلت عن مسؤولٍ سياسيٍّ أنّه «بمجرد أن تجهز منصّة كاريش للعمل سنقوم بتشغيلها وفقاً لما خطّط لها. وسيكون حزب الله قد ارتكب خطأً كبيراً في الحسابات إذا هاجمها». أمّا موقع (مكور ريشون) الصّهيوني اليميني المتطرّف فقد نقل عن مصدرٍ سياسيٍّ أيضاً قوله (إنّ الأسابيع المقبلة حرجة للغاية. نحن نحقّق تقدماً ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به، وعلى الحكومة اللّبنانيّة أن تقرّر أنّها تريد اتفاقيّة عدم الاستقرار والأرض المضطربة إلى الشّرق والشّمال).
تهديدات العدوّ وقياداته للمقاومة التي فرضت عليه وعلى موفده عاموس هوكشتاين الحضور مرّة جديدة لن تجدي نفعاً ولن تجعل لبنان يتنازل عن شروطه وتلك الحقيقة يدركها الصّهيوني والأميركيّ ويدرك أكثر أنّ الأيّام المقبلة من الوقت الضّائع لن تكون كباقي الأيّام حقيقة أدركها بعض قادة العدوّ ومنهم دائرة الأبحاث في الاستخبارات العسكريّة (أمان) سابقاً، العميد يوسي كوبرفاسير إذ وصف الوضع الذي يواجهه حزب الله بأنّه معقّدٌ، فمن جهةٍ هو منظّمة قويّة ومركزيّة في لبنان وعلى رأسها قائدٌ مقدّرٌ جداً كونه نجح في إيصاله إلى المكان الذي وصلت إليه. لكن، من جهةٍ أخرى، هناك الكثير من التّطورات الإشكاليّة التي تؤدّي إلى تآكل هذا الوضع القوي لحزب الله. بالتالي فإنّ الحديث عن ضعف حزب الله وقائده غير صحيح مؤكّداً على ضرورة فهم طريقة تفكير حزب الله التي ليست بالضّرورة طريقة تفكيرنا، وعارض الذين يستبعدون بأن يقدم حزب الله على خطواتٍ عمليّةٍ ضدّ (إسرائيل) لافتاً إلى أنّ اكتفاء حزب الله فقط برسائل تهديد لردع «إسرائيل» هي تفكيرنا نحن، وليست بالضّرورة تفكيره».
ووفقاً لما تقدّم من قراءات للعدوّ الذي أقرّت قياداته الأمنيّة والعسكريّة بأنّ أحداً لا يستطيع فعلاً «الدخول إلى رأس نصرالله»، وأنّ (الاستخبارات الإسرائيليّة الموساد) من أصحاب خيباتٍ في محاولة التوغّل في عقله. ويدركون بالتّجربة أكثر أنّ المقاومين إنْ وضعوا يدهم على الزّناد لن تسقط عنه دون تحقيق انتصارٍ وانّ سلاح المقاومة سيرسم بالنّار حدود لبنان وأنّ أيّ اتفاق لاستعادة حقوقنا لن تصوغه إلّا صواريخ المقاومة وطائراتها المُسيّرة فانتظروا…
