دولة الفراغ: فرمانات ملتبسة من إعلان الحداد إلى التبرّؤ من العباد
} خضر رسلان
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المخاطر التي يترتب عليها الواقع اللبناني نتيجة للفراغ المتوقع في سدة الرئاسة بما يمثله هذا الموقع من اعتبار معنوي من حيث إنه يمثل رمز الدولة اللبنانية في وقت يزداد فيه وضع اللبنانيين سوءاً وهم الذين تركوا لشأنهم يقلّعون أظافرهم بأيديهم في مشهد يعكس قمة الفراغ المؤسساتي والريعي الناتج عن إدارات أوْجدها نظام طائفي إقطاعي تتحكم فيه مجموعات اقتاتت على الاستيلاب والاحتكار سواء عبر وكالات حصرية أو نظام مصرفي موجه شرعت الأبواب لسفارات وقناصل لكي يرسموا سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف الى تفتيت مقدرات الشعب لكي تجعله أسيراً لأهدافهم السياسية.
1 ـ المواطن اللبناني متروك لمصيره
تفاقم الأزمات في لبنان، حيث يخيّم ويزداد شبح الفقر على يوميات اللبنانيين، وهم متروكون لمصيرهم حيث تتحكّم بمفاصله طبقات متنوّعة من المحتكرين والناهبين سواء منها من خلال قرارات رسمية تصدر عن الدولة اللبنانية كما هي حال رفع الدعم عن السلع والمشتقات النفطية أم القرارات التي تصدر عن مافيات أصحاب المولدات الكهربائية المنتشرة في المناطق أو مافيات توزيع المياه التي أصبحت منذ أمد غير قريب تزيد الأعباء على كاهل المواطنين حيث يتمّ رفع جدول الأسعار والتحكم في رقاب المواطنين دون ايّ رقيب أو حسيب سواء من السلطات المحلية البلدية أم الحزبية، ويحدث هذا كله في ظلّ عقم واستقالة غير مفهومة من قبل المسؤولين تدفع الناس إلى الاعتقاد انه لا يوجد ايّ أفق للحلّ في ظلّ استمرار هذه السياسة المتبعة من قبل المتصدّين للشأن العام.
2 ـ إعلان الحداد الوطني على ملكة بريطانيا!
يبدو انّ مبادرة الرئيس ميقاتي الى إعلان الحداد الوطني اللبناني على ملكة بريطانيا اليزابيث هي بروڤة لنموذج الفرمانات والقرارات التي يمكن لميقاتي ان يبادر الى إصدارها في ظلّ الفراغ الرئاسي المتوقع خاصة أنّ الدستور لم يكن واضحاً في تقييد الدور المنوط برئيس الحكومة في حالات الفراغ التي يبدو أنها ستغرق البلاد في المزيد من التعقيدات قياساً الى الموقف غير المفهوم الذي أعلنه باسم الدولة اللبنانية من الحداد وتنكيس الأعلام على الملكة التي تمثل دولة ساهمت بشكل أساسي في مآسي الشعب اللبناني التي ارتدّت عليه نكبة فلسطين والتي يعود أساسها للعرش البريطاني والتي كانت في صلبه آنذاك الملكة المُراد الحداد عليها.
إضافة لذلك فإنّ الدولة البريطانية التي كانت تعتلي عرشها الملكة الراحلة صنّفت المقاومة اللبنانية وعمودها الفقري حزب الله بأنه منظمة إرهابية، وهذا الأمر بحدّ ذاته كان يكفي لأيّ حريص على الشركاء في الوطن ان لا ينزلق الى هذا السلوك.
كما انّ تاريخ فلسطين كتب عن قدر خيانة الأنظمة العربية منذ ما قبل وحتى بعد دخول الصهاينة لفلسطين، سيُعيد الكتابة مرة أخرى بأنّ هناك من يتشارك في المعاناة من خلال مواصلة سلسلة الخذلان والتماهي مع من ساهم في مآسي شعوبنا من قبيل المسارعة الى إعلان الحداد حزناً والإشادة جهراً بمن صنف مقاومة بلاده بالإرهاب وشريكاً في عرش دولة أسّست للنكبة الفلسطينية؛ التي تكللت بتهجير عشرات الآلاف من مساكنهم وبيوتهم إلى مخيمات اللجوء والشتات (ومنها لبنان) وإحلال مستوطنين مكانهم وما رافقها من مذابح وجرائم ضدّ الإنسانية، بعد أن منحت «بريطانيا العظمى» أرض فلسطين للعصابات الصهيونية عبر وعد بلفور؛ الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق.
مرّ الكيان اللبناني الحالي منذ نشأته بداية القرن الماضي بمجموعة من المحطات الرئيسية التي كانت ترافقها وترتبط بها دائماً مجموعة كبيرة من الأزمات ومنها ما يحصل حالياً من العجز في تشكيل حكومة جديدة فضلاً عما هو متوقع من فراغ رئاسي يتوّج حقيقة الأزمات المتراكمة التي ينتجها النظام اللبناني الحالي والتي أثبتت التجارب والوقائع انه لا مناص ولا بدّ من الاتفاق على آليات وقوانين حاكمة جديدة يكون عنوانها العدالة التي تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتغلق الأبواب على كلّ من يريد ان يخرق سيادتنا أو أن يسطو على ثرواتنا الوطنية.