العميل خائنٌ خائن والمقاومُ حبيبٌ حبيب
} جابر جابر
لقد خطّ ثقافة مقاومة،
لم يكن ذاك اليوم فعل موت، بل فعل حياة،
فالحياة في قاموس الأحرار حريّة، والوطن سيادة، والموقف إرادة، والفعل انتصار.
يقتحم الاحتلال الشعوب كما يقتحم السرطان جسم الإنسان. يتسلل عبر خلايا خبيثة، ويبدأ في التكاثر والانتشار ويدمّر الأعضاء عضواً تلو الآخر. فلا يوقفه إلا استفاقةً، تتمثل بتدخل جراح، يستأصل الورم، وتليه مسيرة مقاومة تستهدف خلاياه مدعومةً بإرادة ويقين بالانتصار عليه.
وهذا ما حصل في تلك الآونة، فقد دخل المحتلّ بيروت عبر خلاياه.
العميل، كان يومها جزءاً من الاحتلال «الإسرائيلي»، يؤازره ويساعده على فوز قواته.
وما كان حكم المقاوم إلا انتصاراً لهذه الأرض، لدماء آلاف الشهداء الذين قتلوا عمداً وجوراً وطغياناً بأبشع الطرق. ما كان فعل المقاوم البطل إلا يقيناً بالسيادة والحرية، يقيناً بالكرامة التي تأبى أن يعيث المحتلّ فساداً وإفساداً ويدنّس حرمة التراب.
لو قُدّر أن يعود التاريخ أدراجه، ما كان سيكون عليه شكل بيروت لو لم ينجح المقاوم البطل؟ أيّ مستوطنة كانت ستقام على تخوم الأشلاء؟ لو يسأل الكلّ نفسه.
في نظرة على الجنوب، في جردة لسلوك العدو في جنوب الجنوب. أيّ أمانٍ يُنتظر منه؟ إنّ مطحنة اليهود مستمرة في قضم قمح الأرض طحيناً. فالآلة العسكرية والفكرية لم تتوقف يوماً عن القتل والتآمر، وفلسطين تشهد، لبنان يشهد والشآم تشهد والأردن والعراق.
لم تتوقف آلة التدمير اليهودية يوماً عن تعيين أهدافها وأطماعها، وكانت ولا تزال تسعى لتحقيقها عبر الآلة العسكرية، وعبر عملائها ودسائسها وإرهابها.
ولعلّ الأفظع هو تسللها لهزيمة العقول، عبر مسح الثقافات وتليينها وتمييعها، فيُقبَل اللامقبول ويصبح الحقّ بهتاناً.
لقد قضّ مضاجعنا قيصر، فحوّل البلاد أضحوكة الجوع. والأدوات «دود الخلّ منه وفيه» جموع تحتشد في مواقع المسؤولية، فرغت البلد من ثرواته وطاقاته، وكشفت خاصرته.
جموع عميلة، استخدمت الجوع وسيلة لتشكيل العقول. وبدأت المعاني بالتلاشي، فأصبح العميل مبعداً، والبطل خائناً، والجريمة بطولة، والبطولة فعلاً مشيناً.
أيّ قانون يُتَّبع في الجرائم العظمى؟ أليست العمالة جريمة؟ وكيف يُصار إلى تجميل العمالة بكرسي؟ كيف يُصار إلى تشريعها في النطق والفعل والحديث؟
أيّ تطييف يحتضن العمالة؟ وكيف تؤخذ ستارة المذهب والدّين لتمييع الحقائق والمجاهرة بأفعال باطلة؟
أين القانون؟ أين القيّمون على تنفيذه؟
كيف يُستباح كلّ شيء دون أن يرفّ جفن أحدهم ولو خجلاً؟
في بلاد استفحلت سرطاناتها، ونخرت خلاياها حتى العظم، يلزمنا ألف مجاهد، ونبضٌ مصارع، ليعيد للأرض كرامتها، علّها بعد مخاضٍ مؤلم تولد من جديد.
في بلاد تضمحلّ فيها القيم، يستنفر التلاشي ويصبح سيّد الموقف. ولكن، قلة على هذه الأرض، قلة من رحم هذا التراب تؤمن بالأرض خيراً وبالشرع حقّاً وبالحياة جمالاً. قلّةٌ تتّقد فيها بذور الآتي. تتقد فيها حُبيبات النور ولن يكون الوقت طويلاً حتى تبزغ من جديد.
نحن أبناء سورية، أبناء الحضارة الأقدم والتقويم الأقدم، أبناء الحياة التي كلما حاول تنين ابتلاعها، قتلته ونهضت من جديد.
نحن من ثقافتهم أنّ العميل خائنٌ خائن مهما علت رتبته، والمقاومُ حبيب القلوب والعقول.