نافذة ضوء
الأمم بعباقرتها تسير إلى النصر
يوسف المسمار *
أرسلت لي الصديقة الأديبة الأردنيّة الدكتورة سناء الشعلان مقابلتها مع الإعلامية الجزائرية نادية الشريف فأجبتها برسالة تحت عنوان: الأمم بعباقرتها تسير الى النصر.
صديقتي الغالية الدكتورة سناء الشعلان المحترمة
تحية الإبداع والتقدير والاحترام
تعليقاً على المقابلة الجميلة أسئلةً وأجوبة التي تسلمتها منك أحبّ أن أقول لك:
صدقتِ يا صديقتي العزيزة في جوابك حين قلت: «الأهم هو الجهد الذي بذل في كتابة الإبداع» والذي اعتبرته الجائزة الكبرى، فإن الجائزة الأكبر في نظري هي أن تستمر سناء الشعلان طائراً محلقاً في فضاء الإبداع ولا تكون مواقع استراحتها الا على القمم التي تكون قواعد انطلاق الى القمم الأعلى، وهذا هو الأسهل لسناء الشعلان التي تقول: «أنا أعتز بأصلي المقدس».
وهل أقدس من الأصل الذي كان أصل حضارة البشر، وبذرة انسانية الانسان على أرض الهلال السوري الخصيب الذي حضن ويحضن ويستمر يحضن ولا قيمة له ان لم يحضن فلسطين ولبنان والأردن والشام والعراق والكويت وكل ما سُلخ عن هذه البيئة الطبيعية الممتازة وعن شعبها العظيم بإرادة أعداء الانسان والحضارة؟
إن الجائزة الأكبر والأكبر والأكبر هي التي ينالها المرء حين يظفر بشرف الحياة بإنتاجه وإبداعه وعظمة مواقفه وهو على قيد الحياة، ويظفر بشرف الموت فيكتب في سفر الوجود مواقفَ هي للأجيال منارة، وللأحرار الأعزاء دليل، وللصاعدين في مراقي السمو قدوةً لا تمحى ولا تزول، فينتصب في الوجود إنساناً – مجتمعاً. انسان – أمة أصولها أصول حق وخير وجمال، وبنيتها بنية معرفة ونبوغ ومواهب، ومطامحها فيض من المحبة والرحمة والإنسانية التي لا تعشق الا التألق والألوهة.
ففلسطين يا صديقتي العزيزة لا تتحرّر بسحر ساحر، ولا تتحرر بجعجعة الدجالين من أبناء الأمة الحقيرين لأن الحقارة عبودية وذل، والتحرير هو إنجاز الأحرار الأعزاء لا العبيد الأذلاء. ولا تتحرّر بعطف المعزّين من الشعوب ومواساتهم ببعض الدموع وفتات المساعدات. ولا تتحرر بشفقة الغزاة المجرمين الاعداء الذين اقصى ما يقدمونه لنا هو إحراقنا أو دفننا أحياءً. ولا تتحرّر بجيوش تهبط علينا من السماء، أو عفاريات تخرج من باطن الأوهام، ولا تتحرر، لا هي ولا غيرها من أرضنا المسلوخة بالبكاء والنحيب، والاستعانة بكرامة الأموات، وكثرة الدعاءات واللعنات، وتخدير العقول والنفوس بالأمنيات، بل تتحرر بنهضة أمتنا، وأدمغة عباقرتنا وإبداعات مفكرينا وأدبائنا وشعرائنا وفنانينا، وسواعد أبطالنا، وأمانة السياسيين من أبناء الأمة العقلاء المبدعين الذين لا يبيعون «الشرف بالسلامة ولا العز بتجنب الأخطار»، حين ينتظمون في حركة نهضوية رائدة عقيدتها عقيدة عقلية صحيحة، وجوهرها نفسية جميلة محبة رحيمة، ونظامها نهج أخلاقيّ مناقبيّ بديع، وكل عضو من أعضائها امرأة ورجل، مثقف ومنتج، ومقاتل غير واضع سلاح الحرب حتى تنتصر إرادة الأمة في التحرر والتحرير، والعزة والتعزير لكل شبرٍ من أرض الوطن، ولكل فردٍ من أبناء الأمة جيلاً بعد جيل، وزماناً اثر زمان.
لقد كنتِ بليغة في جوابكِ حين قلتِ في المقابلة: «أنّا مؤمنة إيماناً كاملاً بإنسانيتي وكرامتي وحقوقي وقوتي حتى ولو كنت أحارب وحدي».
وهذا هو المهم أن يكون أبناء أمتنا وبناتها مؤمنين بإنسانيتهم وكرامتهم وحقوقهم وقوتهم وثقتهم بأنفسهم، ومحاربين من أجل ترسيخ هذه القيم حتى لو اجتمعت جحافل الدنيا المجرمة كلها ضدّهم وكانوا في التصدي لها وحيدين. فالأمة العظيمة عظيمة بأبنائها الأبطال، وأبناء الأمة العظماء لن يكونوا عظماء الا اذا كانت أمتهم عظيمة ورسّخوا عظمة أمتهم وطوّروها وجدّدوها على مدار الزمان ثقافةً ترتقي ولا تتخلف، وحضارةً تسمو ولا تهبط، وقيماً تمتدّ وتتسع وليس لامتدادها واتساعها حصر.
لقد كنت واضحة وفصيحة في تحديد العدو وتعيينه حين قلت «القبيحون والقبيحات؛ أولئك أعدائي وأعداء كلّ جميل في الحياة».
نعم هؤلاء أعداء كل جميل وأعداء كل ذي نفس جميلة محبة رحيمة. وهل يظلم الشرفاء الا كل أناني قبيح مبغض ظالم معتدٍ شرير؟
وهل يعتدي على حقوق الشعوب وكرامتها الا كل شعبٍ ذي طبيعة فاسدة شريرة؟
وهل يستطيع كل نوابغ العالم أن ينقذوا شعباً من طبيعته الشريرة اذا كانت طبيعته شريرة؟
إن في قولك هذا ما يشير الى ان العداوة بين القبح والجمال هي أبدية أزلية. والحرب بينهما حرب حياة وموت، ولن يتصالحا أبداً، ولن يلتقيا الا في عراك وحرب. وقد صدق الفيلسوف أنطون سعاده حين قال:
«ليس لابن النور صديق بين أبناء الظلمة، فبقدر ما يبذل لهم من المحبة يبذلون له من البغض». وهذه هي الحال بيننا وبين اليهود الصهاينة الذين اعتدوا علينا واغتصبوا فلسطين ويستعدون لاغتصاب المزيد من وطننا وتشريد المزيد من أبناء أمتنا بغية القضاء علينا بمساعدة دول الشر والعدوان والتعدّي.
لقد نطقت صواباً حين قلتِ: «أكره المنافقين والضّعفاء الذين يسفّون التّراب تحت الأقدام فقط لأجل أن يظلّوا على قيد الحياة! بئس الحياة هي تلك، وبئس البشر هم أولئك». وحبذا لو استبدلت «الضعفاء» بـ «الجبناء» لكان أصوب، لأن الضعفاء من بني قومنا علينا واجب مساعدتهم لننقذهم من الضعف. أما الجبناء فلا حل معهم إلا بإقصائهم عنا، لأن بقاءهم بين صفوفنا جرثومة عدوى تفتك بمجتمعنا وجوداً وتاريخاً وحضارة. وأي قيمة للحياة وأي نفع بلا وجود وحضارة وتاريخ؟
لقد كانت مقابلتك جميلة وكل أجوبتك جميلة أيضاً مع الإعلامية الجزائرية نادية شريف، ولكني لاحظت انطلاقاً من التزامي بالفلسفة المادية الروحية (المدرحية) التي نطلقُ عليها الفلسفة القوميّة الاجتماعيّة أو اسماً آخر هو فلسفة التفاعل الموحّد للقوى الروحية والقوى المادية التي تقول بالإنسان – المجتمع لا الانسان – الفرد. لاحظت انك تحلقين وحيدة، والانسان ما وجد بالانفراد بل وُجد بالاجتماع، ولا يحقق شخصيته بالانعزال بل في المجتمع، ولا يستمرّ بالانفراد بل أيضاً في المجتمع. إن الأفراد يأتون ويذهبون أما المجتمع فباقٍ، وبقدر ما يتوحدن الفرد بمجتمعه ويتفردن المجتمع بأفراده تكبر قيمة الفرد وتكبر قيمة المجتمع، وتنصهر شخصية الفرد بشخصية المجتمع الباقية قيماً ومناقب تفرض ذاتها على الوجود حضارة راقية تساهم في ترقية إنسانية الإنسانية.
والذي تستطيعه الأمة لا يستطيعه الفرد حتى ولو كان ملاكاً او نبياً. والملائكة والنبيون والمصلحون لا يبقى منهم شيء اذا انفصلوا وانعزلوا عن مجتمعاتهم وتلامذتهم وأتباعهم والمعتنقين رسالاتهم وقد كانت كلمة الله واضحة في قوله للنبي محمد:
«يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك، وإلا فما بلغت رسالته ويعصمك الله من الناس».
وهي أن رسالة السماء لا تستطيع ان تستغني عن الأرض والناس. وقولكِ إن أعداءك هم القبيحون والقبيحات يشير بشكل حتمي الى أن أصدقاءك يجب أن يكونوا الجميلين والجميلات. وهؤلاء الجميلون والجميلات ينبغي ان يكونوا رفقاءك في جهاد الحياة لتحقيق نهضة أمتنا الروحيةً والعقلية والنفسية والإبداعية لإنتاج وإبداع حضارة انسانية راقية يكون تأثيرها واضحاً في ترقية إنسانية البشرية.
فاذا لم نكن من إمة حرة إنسانية مبدعة وممتازة فإن إنسانية الأمم الأخرى وحرياتها وإبداعاتها وممتازيتها لا يمكن أن تغنينا بل تجعلنا نخجل بأنفسنا أمام الأمم.
إن الفرد الانساني العزيز الحر هو الذي يبحث عن الانسانيين الأعزاء الأحرار لينتظم معهم ويعمل ويكافح من أجل حياة أفضل لنفسه وأمته وللإنسانية حتى لو قصّروا في البحث عنه، لأن نهضة الأمة لا تتحقق بجهاد كل واحد منا كفرد منعزل مهما كان عبقرياً، بل تتحقق بجهاد الجماعة الواعية المؤمنة التي تعرف ذاتها، وتثق بنفسها، وتعتمد على قوتها في تحقيق كل ما هو جميل لنفسها ولأمتها ولإنسانيتها التي ترفعها الى الرحاب العليا.
ان المقابلة التي قرأتها لك تعبّر عن نفس جميلة، وطبيعة خيّرة واعدة، وعقل راجح، وطموحات كبيرة تميّزت بها أمتنا وامتازت طوال تاريخها الحضاري الرائد ولا تزال مستمرة على هذا النهج.
لك محبتي أيتها الصديقة العزيزة ودمت للحق والخير والجمال مع تحيتي القومية الاجتماعية.
البرازيل في 5/3/2018
*باحث وشاعر قومي.