المصارف والمودعون نحو المواجهة الأمنيّة.. جهات ثلاث تتحمّل المسؤوليّة
} محمد حميّة
لم تكن سالي الحافظ الأولى التي تقتحم مصرفاً لاستعادة وديعتها بقوة السلاح أكان حقيقياً أم بلاستيكياً، كما لن تكون الأخيرة، فقط شهد مصرف «فيدرال بنك» في الحمرا الواقعة نفسها، حيث اقتحمه المودع بسام الشيخ حسين في آب الماضي وهدد الموظفين بسلاح حربي «بلاستيكي» واستعاد جزءاً من وديعته. لكن المشترك بين الحادثين، هو الدافع الإنساني الذي حرّك بسام وسالي، الأول مرض والده الذي كان يرقد في المستشفى والثانية إصابة شقيقتها بمرض السرطان وتحتاج تلقي العلاج في الخارج.
جهات ثلاث تتحمّل مسؤولية المواجهة الأمنية بين المصارف والمودعين:
الأولى: قطاع المصارف الذي اغتنى طيلة العقود الماضية على حساب المواطنين والدولة عبر «الهندسات المالية» التي جنى منها عشرات مليارات الدولارات، وكان أحد أركان المؤامرة الاقتصادية عام 2019 بإقفال المصارف على المودعين ما تسبب بحالة من الهلع والفوضى ثم بتهريب وتحويل عشرات مليارات الدولارات الى الخارج قبل وبعد أزمة تشرين 2019 وبطريقة استنسابية فضلاً عن تهريب أموال المصارف الخاصة الى فروعها بالخارج، إضافة الى دورها المحوريّ مع مصرف لبنان في إصدار التعاميم لتقييد السحوبات المصرفية لهضم وقضم أموال المودعين «الهيركات» اضافة الى المضاربات على العملة الوطنية واستخدام الدولار كسلاح سياسي.
الثانية: القضاء الذي لم يصدر الأحكام بأغلب الدعاوى المرفوعة أمامه من قبل المودعين ضد المصارف، تارة بالخضوع لتهديد المصارف بأنها ستقفل أبوابها نهائياً وتوقف صرف الرواتب للموظفين، وطوراً بما يُشاع عن «رشاوى» أو «إغراءات مصرفية» للقضاة بصرف رواتبهم على منصة صيرفة مقابل تجميد اصدار الأحكام والقرارات ضد المصارف أو وقف تنفيذ الأحكام الصادرة، والقرارات التي أصدرتها القاضية غادة عون خير دليل.
فالقضاء يرتكب جريمة لا تقل شأناً عن جريمة المصارف من خلال تمنعه عن تحقيق العدالة واستعادة حقوق الناس وأموالهم بقوة القانون ويدفعهم بذلك من حيث يدري أو لا يدري الى أخذ حقوقهم بالقوة المسلحة، وبالتالي تهديد الامن الاجتماعي والمصرفي. فكيف يمنع القضاء مودعاً من أخذ حقه بيده إن لم يقم هو بذلك؟ مع العلم أن المودعين الذين اقتحموا المصارف رفعوا دعاوى أمام القضاء و»ترجوا» إدارات المصارف لنيل 30 في المئة من ودائعهم وأقل مما أخذوه بقوة السلاح. مع الإشارة ايضاً الى أن عدداً من المودعين تمكنوا من استعادة ودائعهم كاملة عبر دعاوى مرفوعة على المصارف في الخارج كما حصل مع رجل الأعمال طلال أبو غزالة في مصرف «السوسيتيه جنرال» منذ أسبوعين.
الثالث: الدولة المتمثلة بمجلسي الوزراء والنواب ومصرف لبنان الذين ماطلوا بسبب خلافاتهم السياسية وعلى توزيع الخسائر المالية، في تطبيق خطة التعافي المالي والنهوض الاقتصادي التي تتضمّن الكثير من البنود الإصلاحية لا سيما إصلاح القطاع المصرفي ومصرف لبنان والكابيتال كونترول واستعادة الودائع تدريجياً.
مشهد الأمس في «السوديكو» وعاليه وقبله في الحمرا وغيرها، مرشح للتكرار في أي وقت ومكان عندما توصد كافة الأبواب والنوافذ أمام المودعين وذويهم لاستعادة جنى أعمارهم، ما يحتّم على المسؤولين تحمل مسؤولياتهم أو على الأقل اتخاذ جملة إجراءات وقوانين كإقرار قانون يضمن إعادة الودائع كاملة مع مدة زمنية محددة وإقرار «الكابيتال كونترول» بصيغة تمنع التحويل الاستنسابي في الحسابات المصرفيّة وتنظيم السحوبات بحريّة أكثر تمنح المودعين جزءاً مقبولاً من أموالهم لتسيير أمورهم خاصة الأسباب الإنسانية الى أن تعاد الودائع كاملة تدريجياً، وهذا يشكل ضمانة للمودعين يمنعهم من اللجوء الى القوة.
باستثناء بعض حالات اقتحام المصارف للحصول على الودائع بدافع ماليّ بحت مثال المودع الذي اقتحم مصرف «البحر المتوسط» في عاليه أمس، اقتصرت دوافع المودعين على أسباب إنسانية، وهذا يبقي الوضع في دائرة الاحتواء وإن كان سيشجّع كل المودعين تحت ضغط الحاجة الإنسانية والمرضية ليحذوا حذو بسام وسالي واستعادة ودائعهم بالقوة المسلحة، لكن الأخطر والذي سيخرج عن السيطرة هو اندفاع المودعين لاستعادة ودائعهم بالقوة كل على طريقته بأساليب متعددة، الأمر الذي سيشعل فوضى مصرفيّة أمنيّة ستؤدي الى سقوط ضحايا ودماء وفتنة بين المصارف والمودعين لا تُبقي ولا تذر، والى دفع المصارف لإقفال أبوابها وشل الحياة المصرفية برمتها بما فيها المعاملات التجارية والمالية ووقف الاستيراد وصرف رواتب الموظفين، وبالتالي ارتفاع كبير بسعر صرف الدولار الى معدلات كبيرة.
المواجهة الأمنية بين المصارف والمودعين قاب قوسين أو أدنى.. فهل يتحرّك المسؤولون؟