موازنة «غُب طلب» «صندوق النقد» وتشريع الصرف.. هل تمرّ بالتهريب؟
} محمد حميّة
على مدى يوم كامل، تعرّض مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022 الى «جلد» من أغلب النواب بجميع أنواع الأسلحة المشروعة والمحرّمة، فمنهم من وصفها بموازنة «الشحادة» وآخر بموازنة الأمر الواقع أو الممكن وأن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي أبداً، وكالوا بحقها وبحق الحكومة أقسى أنواع التعابير. لكن مختلف الكتل النيابية تدرك أن الموازنة ستمرّ بصيغتها الحاليّة مع بعض التعديلات ليس بالأرقام بل بالقوانين أو ما يُعرَف بفرسان الموازنة. وتدرك أيضاً أن الحكومة استسلمت للأمر الواقع ولن تستطيع تغيير نظام فذلكة الموازنات المتّبع من عقود ماضية ولا إدخال إصلاحات جذرية، ولا حتى إجراءات آنيّة سريعة وممكنة لرفد الخزينة العامة بأموال وإيرادات إضافية من خارج فرض الضرائب الإضافية على المواطنين، بل عبر مصادر عدة كالأملاك البحريّة والضرائب على العقارات والأملاك المبنية واستيفاء الرسوم الرسميّة والاتصالات ووقف الهدر الماليّ والتهرب الضريبيّ وأعباء ايجارات الدولة وغيرها من المصادر التي تجمع 7 مليارات دولار وفق ما كشف أحد النواب أي ما يوازي سد عجز الموازنة وحل أزمة الكهرباء ببناء معامل لتوليد الطاقة.
المشروع الذي أعدّته الحكومة لموازنة بلد السنويّة لا يصلح لموازنة «دكانة سمانة» وفق تعبير أحد النواب، بلا قطع حساب عن السنوات الماضية وتطلب الحكومة فيه تشريعاً نيابياً جديداً بالاستدانة من دون البوح عن طبيعة الاستدانة ومصدرها وفوائدها وآجال استحقاقاتها. ولم تلحظ الموازنة الرقم الدقيق للعجز ولا حجم وارداتها وإيراداتها وعلى أي سعر صرف ستجبي وتنفق ولا سعر الدولار الجمركيّ وخالية من فضيحة «دسم» الإنفاق من خارج الموازنة وفق القاعدة الاثني عشرية وفي غياب لخطة التعافي الاقتصادي والمالي.. فكيف يمكن إقرار موازنة في زمن الانهيار بلا خطة كاملة وواضحة؟ وكيف يمكن إقرار موازنة لسنة شارفت على الانتهاء؟ في وقت يجب أن يناقش المجلس موازنة الـ2023؟
لكن جلادو الموازنة الذين استغلوا النقل المباشر للجلسة على شاشات التلفزة لممارسة شتى فنون الاستعراض الشعبيّ وتمرير الرسائل السياسية وتصفية الحساب مع الخصوم، يدركون أن لا خيار آخر أمامهم سوى إقرارها تحت شعار «موازنة الممكن» على قاعدة أن موازنة رغم عللها أفضل من لا موازنة لضرورتين:
*انتظام المالية العامة وتشريع وضبط وقوننة الصرف من خارج الموازنة.
*لضرورات وغب طلب صندوق النقد الدولي الذي أمهل الحكومة ومجلس النواب في آخر زيارة له الى لبنان، بمهلة لا تتخطى أواخر أيلول لإقرار الموازنة على أن تكون بين يدي الوفد في زيارته المقبلة التي أعلن عنها أمس الشهر المقبل.
*ضرورة دستورية أخرى دفعت الموازنة قدماً نحو الإنجاز وهي نهاية ولاية رئيس الجمهورية بعد شهر ونصف وتحضير رئيس المجلس للدعوة الى جلسات للمجلس النيابي لانتخاب الرئيس، وبالتالي تحول المجلس الى هيئة ناخبة يتوقف خلالها عن التشريع.
فالمجلس النيابي لا يملك ترف الوقت وملزم بمهلة معينة لإنجاز الموازنة رغم الثغرات الكبيرة التي تعتريها والاعتراضات التي سجلتها القوى النيابية المعارضة والمستقلة، والرفض الشعبي في الشارع من قطاعات عدة لا سيما القطاع العام، فالمجلس عالق بين سندان هذه الاعتراضات النيابية والشعبية وبين سندان صندوق النقد الدولي.
الحكومة رمت مشروعها بكل علله ومرضه في ملعب لجنة المال والموازنة التي لم تستطع إصلاح ما أفسده دهر الحكومة الحاليّة والحكومات المتعاقبة وحاكم مصرف لبنان في مالية الدولة واحتياطات مصرفها المركزي وودائع مواطنيها والمستثمرين الخارجيين، لكون جسم المجلس النيابي «لبّيس» وجلده يحمل لأنه يمثل أوسع شريحة ممكنة من المكوّنات السياسيّة والحزبيّة والطائفيّة، أما الحكومة التي أدت قسطها للعلى وتحوّلت الى تصريف أعمال فلم تعد تحتمل الجلد لأن الضرب بالميت حرام.
الموازنة ستمرّ بالتهريب، بالحلال أو بالحرام، وستؤمن أغلبيّة نيابيّة عادية لإقرارها، هكذا يهمس أكثر من مصدر نيابي، لكن ماذا بعد الموازنة التي لن يسعف الوقت الحكومة لتطبيقها، كرة نار موازنة الـ2023 ستُرمى بين يدي الحكومة المقبلة.