نافذة ضوء
ويلٌ لمجتمعٍ يُقادُ بالغوغاء وزعماء الغوغاء
يوسف المسمار*
كل مجتمع يندفع بغوغاء الجماهير ليس بمجتمع مهما كثرت المبررات وتفنن مروّجوها بالذرائع، لأن المجتمع غير الجماهير. والجماهير غير المجتمع.
فالمجتمع حاصل الاجتماع الإنساني بالوعي والمعرفة والطموح، والجماهير حاصل التجمهّر، والتجمهر يكون بالغريزة التي تتحرّك بالخوف أو بالطمع.
ولذلك كان الاجتماع ميزة من مزايا الإنسان – المجتمع، وكان التجمهر صفة من صفات البهائم والحشرات. وعندما ينعزل الإنسان – الفرد بأنانيّته عن المجتمع ينحط الى دركات البهائم التي تتجمهر.
فحركة المجتمع تقوم بوحدة الروح الواعية والنفسيّة الجميلة والعقلية الراقية والغاية السامية. وحركة الجماهير لا تقوم الا بهيجان الغرائز، وفوضى الغوغاء، واعتباطية الثرثرات.
وكم كان مصيباً العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده حين قال
«إنَّ عقليّة الغوغاء عقليّةُ اندفاعٍ عملي، وعقلية زعماءِ الغوغاء عقلية كلامٍ اعتباطيّ».
وأبناء الحياة الجديدة الجيّدة الراقية لا ينخدعون بعقلية اندفاع عملي غوغائي ولا يستبدلون طريق الحياة الجيدة المستقيم بثرثرات عقلية زعماء الغوغاء الاعتباطية، بل تحرّك هممهم وتلهمهم وتدفعهم الى الأصلح والأفضل عقيدة قومية اجتماعية راقية، وتجذبهم مثلٌ عليا سامية، ويجمعهم ويحفظ مسيرتهم نظام مناقبيّ أخلاقيّ عال، فيتجنبون الانغماس في الحركات الغوغائية المتفشية في مجتمعنا في جميع كياناته السياسية، وطوائفه الدينية، وفئاته الفوضوية، وأفراده المرضى بروح الأنانيّة والمنافع الشخصيّة الآنية التي سهّلت وتُسَهِّل لأعدائنا الطامعين غزو أرواحنا ونفوسنا وعقولنا والضمائر، وسهّلت وتسهّل للغوغائيين وقادة الغوغاء التلاعب بمشاعر أبناء مجتمعنا وعواطفهم وميولهم لتجعلهم غباراً في مهبّ رياح مطامع المتربّصين ونسياً منسياً في مكب نفايات التاريخ.
الشعبُ شيء والجماهيرُ شيءٌ آخر. الشعبُ وحدةُ أمة، والجماهيرُ قطعانُ بشر.
الجماهيرُ الغوغائية لا تنتج قادة أمة لتوجيهها الى شاطئ الأمان، بل تنتج رعيان قطعان يدفعونها الى شفا الانحطاط.
اما وحدة الأمة، وحدة روحيتها، فإنها قادرة على توليد قادةٍ عباقرة يستطيعون رفع مستوى حياة الأمة، والنهوض بها الى المجد بينما الجماهير الديماغوجية والغوغائية لا يمكنها سوى تدمير الأمم والأوطان.
لذلك لا يُنتظر من الجماهير الهائجة في الشوارع أن تنهض بأمة وتحقق نهضة حقيقية، وتبني وطناً مزدهراً، وتُولّد قادة صالحين.
كما لا ينتظر أيضاً من السلطات المحلية التي أوجدتها القوى الأجنبية أن تتعاون وتسعى للتوصل الى حلٍ عادل وتذليل الصعوبات التي يواجهها الشعب بإيجاد وضع سليم قائم على المبادئ الشعبية الجديرة بتأمين وحماية مصالح أمتنا واحتلال المكان اللائق بين الشعوب الحيّة العزيزة.
لكل ذلك، نرى أنه لا بد من التذكير بهذا القول للعالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده:
«إن أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحيَّة فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة. فإذا تركت أمة ما اعتماد البطولة في الفصل في مصيرها قرّرته الحوادث الجارية والإرادات الغريبة».
فكل بطولة لا تكون مؤيدة بعقيدة صحيحة لا انتصار لها مهما كثرت الجماهير التي تصفق لها، وكل عقيدة مهما كانت راقية مبادئها وغايتها لا ينهض بها أبطال مناقبيّون أخلاقيون نظاميون ويعبث بها الثرثارون وسماسرة الأوهام مصيرها الإهمال والنسيان.
فيا أبناء الحياة الأعزاء احذروا من الوقوع فريسةً لأوهام الغوغاء ومطية لأنانية وعقلية زعماء الغوغاء لكي لا تحصدوا النتيجة الوخيمة. فما من جماعة واعية هجرت وعيها ومناقبها وأخلاقها وانخدعت بضلال الغوغاء والغوغائيين الا تبددت وتآكلت وفتك بها الاهتراء.
*باحث وشاعر قوميّ.