اليوم نلتقي في نقابة الصحافة تضامناً مع «البناء»: فلنناقش أفكار بعض المتردّدين ودعاة الحياد!
ناصر قنديل
– أثار الاعتداء الذي تعرّضت له مكاتب “البناء” جملة نقاشات فكريّة وسياسيّة، حاولت من خلالها شخصيّات وأحزاب ومؤسسات إعلاميّة رسم الموقف الذي يجب عليها اتخاذه، وكيفيّة تفاعلها مع دعوات التضامن التي أطلقها الاعتداء على “البناء”، والتي تتوّج اليوم في اللقاء التضامنيّ في نقابة الصحافة اللبنانيّة، الثانية عشرة ظهراً.
– الفكرة الرئيسيّة التي طرحت في التداول تقوم على تخفيف وطأة فكرة الاعتداء على “البناء”، باعتبارها مجرد تعبير عن صراع حزبيّ بين طرفين في الحزب السوري القومي الاجتماعي عنوانها السيطرة على المكاتب، والاستنتاج أنّ الموقف هنا هو إما انحياز كلّ طرف للجهة التي يساندها في الحزب، أو في أحسن الأحوال اتخاذ جانب الحياد، باعتباره ترجمة لرفض انقسام الحزب ودعوة لوحدته، ورفضاً للجوء إلى القوة لحلّ الخلاف من خلال السيطرة على المكاتب.
– السؤال الذي يواجه أصحاب هذه الفكرة، هو حول جوهر الموقف من حرية الإعلام، التي تبدو مجرد شعار ما لم تقترن بالتمسك بحصانة المؤسسات الإعلامية ورفض أيّ انتهاك لهذه الحصانة، لأنّ المؤسسات المحصّنة ضدّ أيّ انتهاك هي الضامن لحرية الإعلام. وهنا يصير السؤال، هل يمكن الحديث عن انتهاك فاضح وظاهر وفجّ لحصانة المؤسسات إلا في حالات يكون النظام القائم احتلالاً أجنبياً أو استبداداً إجرامياً، ويكون الانتهاك هنا جزءاً بسيطاً من ظلم وظلام يفرضهما نظام الاستبداد والاحتلال أو كليهما، على شعب كامل وتصير المقاومة الشعبية ومساندتها إطاراً أشمل لنصرة حرية الإعلام وحصانة مؤسساته؟
– إذن متى يمكن الوقوع على انتهاك لحصانة المؤسسات الإعلامية بذاتها، يستدعي المواجهة، التي تشكل التعبير الجدّي عن امتحان التمسك بحرية الإعلام؟ والجواب هو عندما تتلبّس عملية انتهاك حصانة المؤسسات الإعلاميّة لبوساً آخر، فتتمّ تحت شعار اعتبارها بعضاً من تصفية حساب مالي أو سياسي أو نزاع طائفي. أو (وهذه هي حالة البناء) نزاع حزبيّ، فيخرج المجتمع ليقول إنّ هذا اللبوس لا يصلح ستاراً لتغطية ارتكاب بهذا الحجم، ويصير الأخذ على يد المعتدي لمنعه من التمادي ودعوته للاحتكام للقضاء في أيّ نزاع يدّعيه حول مطالب أو مزاعم، واحترام حصانة المؤسسة الاعلامية. ومن لا يتخذ هذا الموقف، ويخفف من وطأة الاعتداء بداعي ربطه بالنزاع – الذريعة الذي يتلطى وراءه المعتدي، يعلن عملياً تخليه عن أيّ فرصة واقعية للتمسك بحصانة المؤسسات، لأنّ أغلب ما تتعرّض له المؤسسات من خطر انتهاك حصانتها يأتي لابساً لبوس نزاع آخر يدّعي أنّ الاعتداء امتداد له، ولذلك يتوقف على جدية الاستعداد للموقف القاطع المانع برفض الأعذار والذرائع، مقدار المصداقية في الموقف من التمسك بحرية الإعلام. وهذا يصحّ في الحكم على مواقف القوى والشخصيات والمؤسسات الإعلامية والنقابية، والمؤسسات القضائية والأمنية والحكومة ووزاراتها ومن خلفها الرئاسات، ولهذا نحن نشهد لأغلب من يطالهم الأمر والبحث، أنهم كانوا على قدر التوقعات والمسؤولية، وقد وصلنا للحلقة الأخيرة في تنفيذ الحكم القضائيّ بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء.
– يزيد من قوة منطقنا في ما قلناه، أنّ “البناء” دأبت على رسالتها الوطنية والقومية قبل وخلال وبعد الصراع الحزبي الداخلي، وأنّ القيادة الحزبية المعنية وافقتها على أنّ مهمة “البناء” هي حمل قضايا الأمة الكبرى، وصراعاتها المصيرية، وتشكيل منبر لخط المقاومة، والدفاع خصوصاً عن سورية وفلسطين ولبنان بوجه المشروع الأميركي الصهيوني واستهدافاته، سواء عبر العدوان أو الدفع نحو الفوضى والتفتيت أو حروب الإرهاب، ولذلك يشهد الجميع أنه في ذروة الأزمة الحزبية كانت “البناء” داعية للوحدة الحزبية، ويعرف المعنيون أنني وضعتُ استقالتي على الطاولة إنْ كانت تساعد في وحدة الحزب، رداً على ما طالني من تهجّم من البعض باعتباري “غير حزبيّ يتولى رئاسة تحرير صحيفة الحزب”، كذلك تشهد صفحات “البناء” عبر الحضور اليوميّ لألوان الطيف الوطني والقومي التي تتسع لها في الدفاع عن قضايا الأمة، ويشهد هذا الحضور اليوم، على صدقيّة وصدق ما نقول.
– الفكرة الثانية التي طرحت في التداول خلال هذه النقاشات، تتصل بالتموضع السياسيّ لبعض الشخصيات والقوى والمؤسسات الإعلامية. وهنا يجب أن نقول إنّ التمنّع عن التضامن مع مؤسسة إعلامية تتعرّض للاعتداء بداعي الخلاف مع توجهها السياسي، هو نقيصة على جبين أصحابه، فما قيمة التضامن إنْ لم يكن مع مختلف، لأنّ فعل التضامن مع الحليف والمؤيد والشريك، هو موقف طبيعيّ عشائريّ غرائزيّ، يحدث بقوة روابط الدم، وفعل الموقف الحضاري الديمقراطي بالانتصار لحرية الإعلام يُمتحن فقط عندما يكون المعني مختلفاً، وهذا معنى قول “فولتير” الشهير، قد اختلف معك بالرأي ولكني مستعدّ أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك.
– اليوم سنكون الثانية عشرة ظهراً في نقابة الصحافة، لنرفع الصوت، ونقول أولاً للذين يحتلون مكاتب “البناء”، سارعوا إلى الخروج فقد ارتكبتم خطأ قاتلاً، ولا مخرج لكم إلا بالخروج اليوم قبل الغد، ونقول ثانياً للحكومة ورئيسها ووزير الداخلية، وقادة المؤسسات الأمنية، مع وجود قرار قضائيّ بالإخلاء، لا عذر ولا ذريعة بالتأخير والمماطلة، وهذا امتحان دستوريّ للجدية في التمسك بحرية الإعلام وحصانة المؤسسات الإعلامية.