أبيت لكم أن تدخلوها كالأعداء… الا أنّ الكلمة لا تفعل في غير أهلها
} اعتدال صادق
«البناء» بالنسبة لنا ليست مجرد اسم لصحيفة أو إرث إعلامي نعتزّ به وحسب، بل هي حلم طالما راوَد القوميين الاجتماعيين بإصدار صحيفة يومية ملتزمة قومياً ووطنياً كمساحة إعلامية رحبة تخاطب أطياف المجتمع بلغة نهضوية بنّاءة ميدانها الرحب ومدارها الصريح كلمة تبني الحقّ وتهدم الباطل.
انها «البناء» الصحيفة اليومية التي عاوَد الحزب إصدارها في العام 2009 رغم صعوبة التحدّي لتعتلي من جديد منصة الكلمة بتحدّ كبير لتخرج أنيقة معتزة بتاريخها الذي ناهز الستين عاماً يوم وضع حجر زاويتها أدباء كبار وأئمة اللغة والثقافة والمعرفة لتعود «بناء» متجدّد بأقلام جديدة تحمل إرثاً زاخراً لأجيال كبيرة خلت وفي الطليعة نقيب الصحافة الراحل وشيخها الجليل محمد البعلبكي كأول رئيس تحرير لها ومعه ثلة من الأسماء الكبيرة من صنّاع الكلمة والموقف، استكمالاً لمسارها الطويل مند انطلاقتها الأولى في دمشق في العام 1952، ثم في بيروت عام 1958، متألقة إلى مصاف كبريات الصحف رغم تعرّضها على مدى مسيرتها لشتى أنواع الضغوط المتأتية من نضوب التمويل حيناً أو لهزات سياسية تعرّض لها الحزب في أغلب الاحيان…
إلا أنها لم تتعرّض يوماً لنضوب أخلاقي كما حصل بالأمس وقد شهدتُ كلّ هذا التخلف الهمجي كما لم لأره يوماً على أبوابها التي مرّ عليها الكثير ولكن لا شيء يشبه غزوة الأمس… وأنا التي قيّض لي أن أرافق صدورها يوم اندمجت مع دورية الحزب «صباح الخير» كمجلة أسبوعية، وشهدت على صعودها… وكنت فتية في مقتبل العمر… وكبرت «البناء» وكبرتُ معها على مقاعدها وبين مكاتبها ومع كلّ تلك النخبة من الأسماء التي ساهمت في صناعة مجدها.. عايشتُها عن قرب على امتداد سنوات حتى اقترنت سنوات عمري بعمرها… هي بالنسبة لي التوأم الذي لازمني ولازمته حتى بتّ من دونها أشعر بالفقدان والغربة.. كانت همّي وفرحي.. ومطرحي وزمني الجميل… رغم انّ ذاكرة «البناء» مزنّرة بالوجع في أقاصي الروح في لعبة مدّ وجزر باهتة في خاصرة الأمس.. إلا أننا أبينا جميعاً أن «نفرّط» بـ «البناء» ولم نفرّط ولن…
نعم غزوة الأمس تحت جنح الظلام لم تكن الغزوة الأولى.. فالمتربّصون بها كانوا كثراً… «البناء» اليوم هي ذاتها يوم غزا جيش الاحتلال «الإسرائيلي» بيروت.. وغزا «البناء»، إلا أنّ بقاءه فيها لم يطل تحسّباً من عملية فدائية مباغتة، وكانت قد بدأت المقاومة الوطنية تنزل ضرباتها بجيش العدو.. (وللمفارقة وللذين لا يعرفون كان الشهيد خالد علوان الذي نحتفل بذكرى عمليته البطولية في «الويمبي» بعد أيام، كان يتخذ من أحد مكاتبها مكاناً للاستراحة عندما لا يكون منشغلاً بترصّد جيش العدو ودورياته في عاصمتنا الحبيبة بيروت.
وفي سجل الاعتداء على «البناء» أيضاً يوم أرسل أمين الجميّل في فترة رئاسته إثر مقتل بشير الجميّل جيشه الفئوي لغزو «البناء» قبيل إسقاط اتفاق 17 أيار…
أيضاً، وأيضاً زحفت الى مكاتب «صباح الخير ـ البناء» غزوات وجحافل من هبّ ودبّ… من الفرق المندلقة من أطراف الطوائف والأحزاب التي كانت مسيطرة على شوارع بيروت آنذاك ومن كلّ ممسوس بعدمية الكلمة والموقف…
نعم لم تكن «غزوتكم» بالأمس يا «جهابذة النضال» هي الغزوة الأولى على جريدة الحزب…
ولأنها «البناء» هبت بكم العودة عن أبوابها على افتراض أني أخاطب سوريين قوميين اجتماعيين انتماء والتزاماً مهما اختلفنا وعلى اعتبار أننا حرّاس المبادئ والقيَم سلوكاّ وأداء ولا نخلّ بها أبداً…
ولكن أبيتم إلا أن تكونوا متساوين في العدوان على مكاتبها مع أعداء الحزب وأعداء القضية التي تساوي وجودنا، غير أنكم تفوّقتم عليهم بالعدوان وهذا أقرّ وأعترف لكم به.. إنما إقرار بانهيار نظام القيَم لديكم وقد جعلتموه ركاماَ.. فأعداء الحزب غزوها نهاراً جهاراً أما أنتم فقد كان غدركم تحت جنح الظلام كخفافيش الليل، غير انّ الخفافيش لا أقدام لها تركل بها الأبواب المغلقة كما تفعلون وكما تستبيحون محفوظاتها وتسرقون ملفاتها ومعدّاتها والأموال المودعة فيها حتى «الممتلكات» الخاصة لم تنجوا من أياديكم.. تتلطون خلف مبررات لا تترجم اعتداء على مؤسسة إعلامية لم تكونوا لتتجرّأوا عليها لو كانت تتمتع بحراسة أمنية أو حتى تواجد أحد أفراد جهازها الإداري أو التحريري.
نعم كانت نبرتي عالية وكلماتي قاسية… لأنّ التي اقتحمتوها هي «البناء» وليست مكاناً معادياً…
«البناء» لن تتوقف عن الصدور وقد صدرت… غير أننا لا يسعنا إلا القول اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا…