المرتضى في مؤتمر جمعيّة المبرّات: السيد فضل الله أفنى عمره بالدعوة للوحدة والتنبيه من خطر العدو «الإسرائيليّ»
اقيم برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى في مسجد الامامين الحسنين ـ حارة حريك المؤتمر السنوي الحادي والثلاثين لجمعية المبرات الخيرية تحت عنوان «التنكولوجيا والرقمية ودورها في التربية والتعليم: فرص وتحديات»، وذلك بحضور رئيس الجمعية العلامة السيد علي فضل الله وفاعليات وشخصيات وهيئات تربوية وثقافية.
وألقى المرتضى كلمة جاء فيها: «من هذا المكان العابق بالعلمِ والقداسةِ والتصوف… من روضةِ الفكرِ التي تنبسطُ ظلالها فوق ضريحِ العالِمِ المجدِّدِ الذي كان الإضافة السامية لنا، هنا في لبنان والعالم العربي والإسلامي، والذي لا يزال ينضح بالعطاء تجسيدًا لقول الإمام علي سلام الله عليه «الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ».
أضاف: «من مقامٍ، كان ولا يزال مقصِدَ أهلَ العلمِ والتقوى والعبادة، يرتادونه مسجدَ وعيٍ ومنارةَ خيرٍ وصلواتِ جمعةٍ وخَمسٍ ونوافل، «في مشهد من مشاهد الأقصى» كما كتبت الصحفُ عند أول جمعة صُلِّيَت فيه… من جوار مكتبةٍ تُجسّد لبنان الثقافةَ والعلمَ والانفتاح، ويملأُ عِطرُ رفوفِها رحابَ المركز الإسلامي الثقافي، ومن على المِنبرِ الذي كان يعتليه سماحة السيد المرجِع ليجيب على كل الأسئلة بشعاره الخالد «ليس هناك سؤالٌ تافهٌ وليس هناك سؤالٌ محرجٌ، الحقيقة بنتُ الحوار».
وتابع: «من كلِّ أشياء هذا المكان الذي كان سيدُ الكلمة منارَه وروحَه وعقلَه، يطيب لي أن أخاطبكم بلغته المعهودة: «أيها الأحبة».. وأن أكون واحداً من المنتمين إلى آفاق مؤتمركم الذي يمثّل مساحةً من مساحات الخير على مستوى التربية والتعليم، ومحطةً من محطات الوعي الفكري على مستوى الثقافة، وأنموذجًا في الرؤية العلمية للبنان الغد الذي ليس له لينجو من وقع الأزمات المتلاحقة التي تنهال عليه اقتصاديًّا وسياسيًّا، إلا أن يولي عناية كبيرة لبثّ الوعي الذي تمثل جمعية المبرات الخيرية رافداً من روافده وقلعة من قلاعه وفخرًا لكلِّ لبناني، بل كلِّ عربي نبيل، وكل حرٍّ يسعى لخدمة الإنسان والارتقاء به بعيداً عن كل العناوين الطائفية والسياسية والعرقية المفرِّقة».
وأردف: «أسمح لنفسي أن أشير إلى كلمة طالما رددها المرجع الراحل السيد فضل الله الذي كان يقول: «إن لم تعمل لملء الفراغ… فسوف يأتي مَن يملأ هذا الفراغ لحسابه وليس لحسابك..». وحسنًا فعلت جمعيتكم ومدارسكم أن كانت في طليعة من عمِلوا بوحي هذه الحكمة الواعية فتعاملوا مع التكنولوجيا الرقمية لا على أساس الاستهلاك بل من أجل الاستيعاب كمقدمة للإبداع، وذلك عبر مناهج التدريسِ، والتدريب على آليات التواصلِ، في سبيل تقديم الأفضلِ للأجيال. لأننا لا نريد أن نكون في عالمِ الأميّةِ الرقميةِ والعلمية، فيما الكون يسارع من خطوِ تطورهِ، كما لا نريد للخُرافة والجهل والغلوِّ أن تقتحم مواقع العزّ فينا التي شيّدناها بجَهْدِنا وجهادنا وقطعنا فيها مراحل من الصمود ومسافاتٍ من الوعي، نحاذر أن يفترسَها التخلفُ أو أن تستولي عليها الأمية الثقافية».
وقال: «ان التِقْنيات باتت أكثر ذكاءً، وتطورت الأجهزة لقراءة مقصودات البشر، وهي تتجول في حياتنا بكامل الحرية والتحرر أيضاً، لدرجة أننا وصلنا خلالها إلى أن نصير أسرى سجونها، لا نتحرك إلا وفقاً لما تمليه علينا تلك الرقميات، بل ندير حياتنا وفقاً لما تنتجه لنا».
أضاف: «التربية الرقمية في العالم الافتراضي توازي التربية الاجتماعية في العالم الحقيقي، فكل مجتمع له أعرافه وقيمه، وبما أن المجتمع القادم هو مجتمع المعرفة والرقميات لذا فإن له قيماً وعادات وتقاليد علينا أن نواكبها ونأخذ منها ما يتماشى وواقع أوطاننا وبلداننا وإنساننا الذي سعى الراحل السيد فضل الله لصناعته على أكمل وجه رساليٍّ معرفيٍّ حضاريٍّ تقنيٍّ فهو القائل: «إنَّ أعظم الصناعات صناعة الإنسان».
وتابع: «لهذا فإنني أدعو ــ في هذا المؤتمر التربوي الحادي والثلاثين والذي وسمته جمعية المبرات بعنوان التكنولوجيا الرقمية ودورها في التربية والتعليم ــ إلى ان تبقى هذه الجمعية المميزة الإبداعية بكلِّ مؤسساتها في حالة طوارئ علمية وثقافية دائمة من أجل صناعة الإنسان الجديد المؤمن بقدراته وطاقاته الخلاقة عملًا بوصية السيد القائل: «مستقبلنا هو العلم، فالذي ينطلق بالعلمِ ليؤسس نفسه، ويؤسس الآخرين، فإنه ينطلق في صنع المستقبل، كونوا صنَّاع المستقبل، كونوا صنَّاع حركة الإبداع في الأمة، كونوا صنَّاع الفتح المبين، صنَّاع الإنسان، كونوا كل ذلك لتجدوا في خط هذه الاستقامة رضوان الله ومحبته. وكونوا في حالة طوارئ علمية في الفكرة، وفي الأسلوب، حتى تستطيعوا أن تنجحوا في أدائكم في صنع الإنسان الجديد».
وأردف: «نكرّر في هذه المناسبة أن أخطر حرب يخوضها ضدنا العدو الاسرائيلي هي الحرب الثقافية، فهذا الكيان الغاصب يشعر، وشعوره في محله، ان أخطر ما في لبنان هو حال التنوّع مع الوحدة، هو واقع الإيمان والانفتاح والقيم، هو فكرة الوطن الرسالة للإنسانية جمعاء. نعم أيها الأحبة، هذا أخطر ما في لبنان على «إسرائيل» لأن هذا ما يجعله النقيض لعنصريتها وظلمها وإلغائيتها وعدائها الظاهر والمضمر لكل ما هو إنساني لذلك كلِّه تسعى سعيها وتكيد كيدها لبث الفرقة بيننا ولتيئيسنا من وطننا وما يختزنه في عمقه من قيمٍ وايمانٍ وتنوعٍ ووحدةٍ لكن سعيها سيخيب بإذن الله».
وختم: «للعدو نقول كد كيدك واسع سعيك فوالله لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت لبناننا ولا تَمحَقُ وحدتنا ولا تُلاشي وعينا ولا تُسقطُ ثباتنا ولا تبدّل شيئاً في التفافنا وراء مقاومتنا وهل أيامُك الا عدد ورأيُ من يدعو الى التطبيع معك الا فند وجمعُك ومن وراءك الا بَدَد».