أية حركة وطنية نريد؟!
} إبراهيم ياسين
اليوم في خضمّ هذه الأزمة العامة والمستفحلة التي تعصف بلبنان وتتجلى في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، ومحاولة إعادة تركيب الدولة ومنع تفجر المجتمع بكلّ مكوناته… وفي هذه المرحلة العاصفة من التحوّلات والصراعات على الصعيدين الدولي والإقليمي وامتداداتها في الداخل اللبناني… نسأل ترى ما الذي يجري ويحدث… وإلى أين نسير؟
هل أنّ ما نعيشه هو مجرد أزمة سياسية؟! هل إنها أزمة النظام السياسي بكلّ ما يحمله من عوامل الوهن وسمات التخلف، أم انها أكثر من ذلك، أزمة هوية لبنان ودوره في خارطة نظام إقليمي لم ترتسم ملامحه الأكيدة بعد… يلفّه غبار الصراع العالمي المحتدم المغلّف بروائح الغاز والنفط والمُشبع دماً… لاسترضاء الدول الكبرى… ماذا نريد، هل من خلاص لنا ولوطننا، هل من قيامة للتغيير، وأية حركة وطنية نريد؟!
تفرض التحديات التي يواجهها لبنان على المستويات كافة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأزمة النظام الطائفي وصراعات الطبقة السياسية وانعكاساتها على أداء الدولة الذي يزداد ترهّلاً، ومصالح المواطنين تفرض ضرورة تشكّل حركة وطنية جديدة برؤية تغييرية قادرة على التصدي لهذه التحديات وقيادة نضال سياسي واجتماعي لتوحيد كلّ القوى السياسية والاجتماعية المتضرّرة باعتبار ذلك شرطاً أساسياً لإنجاز أيّ عملية تغيير في نظام الحكم القائم حتى ولو كان تغييراً متدرّجاً آخذاً في عين الاعتبار الصعوبات التي تواجه عملية التغيير الجذري بسبب تجذُّر النظام الطائفي في الحياة السياسية والاجتماعية.
على أنّ مواجهة هذه التحديات ومهام التغيير التي تفرضها، وقيادة النضال السياسي والجماهيري تتطلب توافر، أو العمل على تأمين الشروط التالية:
أولاً، تبلور قيادة وطنية غير «طائفية» تملك رؤية وبرنامج وطني للتغيير، وتؤمن بخوض النضال الوطني من أجل تشكيل غالبية شعبية قادرة على فرض هذا التغيير الذي لا يُمكن بلوغه وتحقيقه إذا لم تتمكن هذه القيادة من كسب تأييد ودعم الغالبية العُظمى من المتضرّرين من هذه الأزمة، للإخلال بموازين القوى القائمة وفرض التغيير.
ثانياً، تشكيل جبهة وطنية شعبية عريضة، تضمّ كلّ القوى السياسية والاجتماعية ذات المصلحة الحقيقية في التغيير، الأمر الذي يستدعي تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والفئوية وتقديم أولوية التناقض الرئيسي على التناقض الثانوي وطرح الشعارات التي تَجْمع ولا تفرّق، لا سيّما أنّ تشكيل هكذا إطار يفرض بالضرورة الأخذ بعين الاعتبار المشارب المختلفة والمتعدّدة للقوى السياسية والاجتماعية المنضوية في إطارها.
ثالثاً، الإيمان بأنّ خوض النضال الجماهيري يحتاج إلى جانب وجود البرنامج النضالي إرادة وعزيمة وإصرار لا يتزعزع في خوض كلّ أشكال هذا النضال وتبنّي مطالب الناس المتضررة من الأزمة، مهما كانت كبيرة أو صغيرة لأنّ ذلك جزء لا يتجزأ من عملية التراكم في العملية النضالية لتكتيل الناس وتوحيد نضالها في سياق السعي لفرض التغيير في النظام السياسي، باعتباره المدخل الضروري لإيجاد الحلول الحقيقية لكلّ الأزمات المتفجرة التي تعاني منها كافة الفئات المتضررة من الأزمة.
وهذا يرتب على القوى الوطنية التقدمية مسؤولية الإستعداد لإحتضان هذه الكتل وزجها في النضال من أجل التغيير.
إن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق بناء الأداة السياسية المنظمة وإعداد البيئة الشعبية التي تحتضن هذه الأداة وتوفر لها عناصر القوة التي تمكنها من الدفع بإتجاه التغيير.