نافذة ضوء
ليس متنوّراً من لا يهتمّ بتنوير مجتمعه
} يوسف المسمار*
واقع البشر الطبيعيّ هو واقع مجتمعات متنوّعة متمايزة متعدّدة مختلفة متفاوتة في وجودياتها وجغرافياتها وثقافاتها وتنوّعاتها وميّزاتها ومستويات حضاراتها ودركات تخلّفها ودرجات رقيّها.
وما يصحّ من النعوت على بعضها لا يصحّ على بعضها الآخر. فالمجتمعات تتهاوى وتتقهقر في التخلّف الى أدنى دركات الانحطاط. وتتدرّج في التقدم الى أعلى درجات الرقيّ.
وعلى هذا الأساس، ليس من العدل أن نساوي بين المجتمع المتخلف والمجتمع الأكثر تخلفاً، ولا أن نجعل المجتمع الراقي والمجتمع الذي لامس بعض الرقيّ على درجة سواء، كما لا يجوز أن نساوي بين المجتمع التابع والمجتمع المتبوع. وبين المجتمع المسيطر المتغطرس الظالم والمجتمع الخانع الذليل.
ولهذا السبب، فإن أي دراسة مطلقة مبهمة عن تحوّل المجتمع دون تحديد هوية هذا المجتمع لا يمكنها ان تكون منصفة ولا مفيدة. فالوضوح والتعيين شرطان أساسيان لكل دراسة مفيدة وهما ايضا شرطان ضرورياً للعمل النافع والسعي المجدي للنهوض بالمجتمع وتحويل حياة المجتمع للأفضل.
والمفيد هو أن تكون الدراسة عن مجتمع معيّن كمجتمعنا السوري مثلاً الذي تعرّض وما زال يتعرّض منذ آلاف السنين الى موجات عدوانية همجية، أن تكون الدراسة مقترنة بالعمل والصراع العملي الذي ينقذه من الحالة التي جمدت تطوره.
إن ميزة العالم الاجتماعي الفيلسوف أنطون سعاده البارزة عن غيره من العلماء والفلاسفة هي أنه تحمَّل مختاراً مسؤولية تنوير مجتمعه السوري، وتنكب طوعاً بمطلق وعيه وإرادته القيام بتحقيق نهضة أمته السورية، ولم يأخذ إذناً من أحد، ولم يخضع في عمله وجهاده وإبداعه لسطوة ترغيب أو ترهيب أو نزوة شهرة شخصية، وعمل وجاهد وعانى من أجل كفل قضية الأمة وافتداها بدمه راضياً هادئاً باسماً مطمئناً.
كما أنه لم يشترط أن يقوم غيره بالعمل ليعمل، ولا أن يباشر غيره بالجهاد ليباشر جهاده، ولا أن ينتظر غيره أن يقاوم الطغيان ليقاوم، ولا أن يختبئ وراء غيره ليهاجم الأوضاع الفاسدة، ولم يتذلل لسلطان أجنبي ليستقوي به على أبناء أمته أو يستقوي به على سلطان أجنبي آخر، بل انطلق بنفسه وحيداً الى ساح الصراع قبل أن يدعو رفقاءه الذين تعاقدوا معه الى ساح العمل والجهاد كي يكون قدوة في المبادرة والريادة والصراع، وكي يعيد الثقة الى أبناء شعبه بقيادته الصادقة المخلصة القومية والوطنية بعد أن فقدوا الثقة بقياداتهم الروحية والاجتماعية والسياسية التي اعتادت على خيانتهم في اللحظات الحاسمة.
لكل ما تقدّم كان المتنوّر أنطون سعاده وحيداً البادئ في تحمّل مسؤولية النهوض بمجتمعه التي جعلته يقدّم دماءه مختاراً باسماً من أجل الغاية العظمى التي هي تحقيق نهضة العز السوري القومي الاجتماعي التي أطلقت سوريين قوميين اجتماعيين يعملون للحياة العزيزة لكل أبناء مجتمعهم دون استثناء أحد لا رجلاً ولا امرأة. لا صغيراً ولا كبيراً سواء فهمهم الآخرون أم لم يفهموهم، وسيستمرون في عملهم وفي جهادهم للحياة الراقية العزيزة ولن يتخلوا عنها.
*باحث وشاعر قومي.