حلّ الدولتين… غرب النهر وشرقه
} سعادة مصطفى أرشيد*
(The divider Trump inthe white house) «ترامب في البيت الأبيض»، عنوان كتاب سيصدر قريباً في الولايات المتحدة، وقد سمحت دار النشر صاحبة حقوق الطبع لصحيفة «واشنطن بوست» بنشر مقاطع منه، من هذه المقاطع انّ ترامب كان قد اتصل هاتفياً بالملك عبد الله الثاني في كانون الأول من العام 2018 وعرض عليه صفقة مثيرة بأن يفرض ولايته على الضفة الغربية مما أذهل العاهل الأردني وجعله يحبس أنفاسه كما قال لمؤلفي الكتاب اللذين أرادا التدليل على فوضى الرئيس الأميركي السابق وارتجالية قراراته السياسية التي لا تتصف بالحكمة.
لا أظنّ أنّ هذا الاتجاه عند الرئيس الأميركي كان قراراً ارتجالياً او رأياً متسرعاً، وانما كان قرارا سياسيا مدروسا يتماهى مع ما يخطط له لإنهاء المسألة الفلسطينية وفقاً لوجهه النظر (الإسرائيلية) اليمينية ووفقاً لرؤى الصهيونية المتجدّدة التي أطلقها في عشرينيات القرن الماضي فلاديمير جابوتنسكي الذي ينظر إليه اليمين باعتباره الأب الروحي والملهم لسياستهم المتطرفة التي بقي اليمين في (إسرائيل) وفياً لها من مناحيم بيغن الى اسحق شامير وشارون ونتنياهو والحكومة الحالية وتلك التي ستفرزها انتخابات مطلع تشرين الثاني المقبل.
ترى هذه النظرية انّ وعد بلفور عام 1917 كان مرفقاً به خريطة لفلسطين التي نصّ الوعد الإنجليزي على أنها ستكون الدولة اليهودية، هذه الخريطة يحدّها من الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال تتجاوز منابع الليطاني بقليل فيما تمتدّ حدودها الشرقية الى الأنبار العراقية وأطراف مدينة الرمادي. وتكمل الرؤية انّ تعديلات قد طرأت عليها في العام التالي، إذ اقتطع منها الليطاني وأُعطي لفرنسا، ثم عدّلت مرة أخرى في عام 1920 عندما أصدرت منظمة عصبة الأمم قرارها بانتداب بريطانيا لحكم فلسطين.
اثر خروج الأمير عبد الله بن الحسين ـ الملك لاحقاً من الحجاز بعد هزيمته في معركة المدينة المنوّرة على يد السعوديين ولجوئه الى معان، تمّ لقاء في القدس بينه وبين وزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرتشل، حيث قرّر الوزير الإنجليزي ان يقسم فلسطين الى قسمين: شرق نهر الأردن وغربه، وأن يمنح الحكم في الجزء الشرقي للأمير عبد الله تحت الوصاية البريطانية على أن يبقى تابعاً للمندوب المقيم في القدس السير هيربيرت سامويل الإنجليزي اليهودي، وهو ما أصبح ضمناً حصة أهل فلسطين من فلسطين الذي اختير له اسم شرق الأردن، فيما يكون غرب النهر هو حصة الدولة اليهودية.
في هذا الإطار يفكر اليمين «الإسرائيلي» الحاكم ـ والذي وصل للحكم أول مرة عام 1977 يبدو ـ انه سيحكم لفترات مقبلة، اتسمت علاقات اليمين مع الدولة الأردنية بالتوتر والعداء غير المباشر فيما استشعرت عمّان القلق بسبب اضطراد ونمو قوة اليمين ولطالما دعمت حزب العمل المنافس وقدّمت له التنازلات كي يحصد مزيداً من الأصوات، ولكن هذا الحزب أصبح منذ عقد من الزمن حزباً منقرضاً وغير فاعل في الحياة السياسية فيما استمرت حكومات اليمين في إزعاج عمّان في أكثر من ملف وأكثرها وضوحاً ملف الوصاية الأردنيّة على المقدسات الإسلامية في القدس والتي ينظر إليها العرش باعتبارها عنصراً من عناصر شرعيّته.
هكذا يرى اليمين «الإسرائيلي» انّ الأردن هو الوطن البديل لأهل فلسطين، وانّ الدولة الفلسطينية لا مكان لها في غرب النهر وإنما في شرقه، وهكذا أدركت الدولة الأردنية انّ ذهابها هو الهدف لمشروع اليمين «الإسرائيلي»، فكانت فرصة ظنها الأردن ثمينة للدولة الأردنية للإسراع في توقيع (تلفيق) اتفاقية وادي عربة مع آخر حكومات اسحق رابين مفترضة انّ توقيع هذا الاتفاق يضمن وجود الأردن كوطن نهائي، وما هي إلا فترة قصيرة وإذ برابين يُقتل على أيدي ذلك اليمين وتصبح معه الاتفاقية سريعاً في مهبّ الريح، فقد تسارع تراجع حزب العمل وأصبح أثراً بعد عين، فيما تعامل اليمين (الإسرائيلي) ومتفرّعاته مع اتفاق وادي عربة وكأنّ الدولة الأردنية قد وقعتها مع حزب سياسي او شخص رابين لا مع حكومة (دولة إسرائيل) وانّ الاتفاقية ملزمة للحزب أو لرابين الميت ولا تلزم اية حكومة أخرى او شخص آخر.
هكذا يمكن فهم ما ورد في الكتاب المذكور أعلاه، وبأنه عرض سياسي بامتياز وبعيد عن الارتجال وانْ جاءت لغته ترامبية فجة، فهذا ما يمثل رأي الغرب عموماً منذ قرن من الزمن ولا يزال يمثل العقل العميق لمجموعة العيون الخمس التي أنشأت المشروع الصهيوني أصلاً الأنجلوسكسون البروتستانت البيض، إنجلترا والولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزلندا…
إذن قالها ترامب صراحة وعلى طريقته، ولكن بايدن وغيره من العيون الخمس خاصة والغرب عامة يقولونها أيضاً وإنْ على طريقتهم، انهم مع حلّ الدولتين، فيما لم يبق الاستيطان ما يتسع لإقامة دولة ثانية الى جانب (الدولة اليهودية) غرب نهر الأردن، فهل يعني حلّ الدولتين لديهم ان تكون دولة فلسطين شرق نهر الأردن.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.