فشل آخر خرطوشة… والعودة إلى تعويم الاتفاق النوويّ
ناصر قنديل
– خلال أكثر من شهر بدأ الغرب اتجاهاً تصعيدياً بوجه إيران، على خلفية موقفها وشروطها للعودة الى الاتفاق النووي، وبعدما كان التفاؤل سائداً والكلام عن أيام تفصلنا عن توقيع الاتفاق، واننا أقرب ما نكون للاتفاق، برز حديث معاكس عن طريق مسدود، وخيبة أمل، واتهام لإيران بأنها لا تريد الاتفاق. وعادت نغمة الحديث عن بدائل للاتفاق، وظهر الإسرائيلي منتشياً يتحدث عن انتصار دبلوماسي حققه بتعطيل مسار الاتفاق. وجاء بيان ألماني فرنسي بريطاني يستنسخ الاتهامات الأميركية وينعى فرص التوصل لاتفاق، وبيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية يشكك بالنوايا السلمية للبرنامج النووي الإيراني. وبعد هذه الذروة من التصعيد، وبالـ “صدفة”، اندلعت في إيران احتجاجات شملت العديد من المحافظات، وبدت من الزوايا التنظيمية والأمنية أشد وأقوى من حركة 2008، رغم أنها شعبياً لم تنل الزخم الذي نالته الحركة الخضراء، وانتقل الخطاب الغربي إلى منح الأولوية لمواكبة الحدث الإيراني، واعتباره ثورة ستفرض حضورها ويصعب إخمادها، وسوف تشكل مدخلا لرسم معالم المرحلة الجديدة لـ “الديمقراطية” و”الربيع”.
– لم يطل الانتظار، وبدأت الأنباء تؤكد سيطرة السلطات الإيرانية على المشهد والإمساك بزمام المبادرة، فبدأت الحملة الإعلامية العدائية لإيران تتراجع، وعاد الحديث بلغة معاكسة عن مستقبل الملف النووي، فبدلاً من كلام مسؤول السياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبي عن سقوط فرص التفاوض، عاد الحديث عن “لا بديل للتفاوض إلا التفاوض” و”لا بديل لاتفاق إلا الاتفاق”، والوكالة الدولية المتمسكة بالملفات القديمة ترسل رسالة اطمئنان لإيران بنيتها طي الملفات القديمة، ووزير الخارجية السعودي يتحدث بعد اجتماع مشترك مع زميليه الأميركي والفرنسي، عن أن الاتفاق السيئ أفضل من اللااتفاق، والأميركيون يرسلون رسالة حسن نية إلى إيران، عن عزمهم العودة للتفاوض، والإسرائيليون يبلعون ألسنتهم عن الإنجاز الدبلوماسي، ويعودون للحديث عن خياراتهم البديلة إذا تم توقيع الاتفاق.
– في كل المسارات المأزومة، يلعب الغرب على حافة الهاوية، ويأمل بتغييرات ولو كانت سراباً، ويسأل لماذا لا نجربها. فالأرصدة التي تم تجميعها في ساحات المواجهة ستفقد كل قيمتها إن لم يتم استخدامها الآن، فلنر حدود تأثيرها. وهذا ما جرى. ذروة الحرب النفسية بالإيحاء بسقوط الخيار التفاوضي، والذهاب لإحراق كل الأوراق في الداخل الإيراني بتوظيفها في زعزعة الاستقرار، ومراقبة حدود تأثير الجمع بينهما، وعندما تمّ التيقن بأن الوضع على حاله وأن إيران عند ثوابتها، عادت القضايا الجوهريّة الضاغطة بزخم لا يرحم، فالحقائق هي الحقائق، إيران تمضي قدماً ببرنامجها النووي تخصيباً وتخزيناً وتقترب كل يوم من بلوغ العتبة الحرجة التي لا يريد الغرب لها أن تبلغها، وأوروبا تنزف تحت ضغط نقص موارد الطاقة وتقترب كل يوم مع اقتراب موسم الشتاء من الكارثة، والاتفاق مع إيران أحد أبرز أبواب الأمل لموارد إضافيّة في سوق الطاقة، والطريق الوحيد لوقف تصاعد البرنامج النووي لإيران نحو الحافة.
– مشكلة بعض العرب، ومنهم بعض اللبنانيين، أنهم يغلبون أحقادهم على القراءة الموضوعية للتوازنات والحسابات السياسية، فلم يترددوا في تسويق سردية تتحدث عن قرار حرب أميركية على إيران، وتوصيف الاحتجاجات التي ليست إلا نسخة من الثورات الملونة، بصفتها نقطة البداية لتحول كبير، فلم يحصدوا إلا الخيبة، التي أراد لهم الأميركي أن يسمعوها من فم وزير الخارجية السعودية، ضماناً لصمتهم الذي صار افضل لعدم إحراجهم من صراخ “الملكيين أكثر من الملك”.