خريف الانفجار أم الانفراج؟
ناصر قنديل
– يمكن للمتابع أن يتخذ موقفاً حيادياً للحظة من الأحداث الجارية دولياً وإقليمياً، واستطراداً لبنانياً، ويرى كيف أن اللاعبين الفاعلين الواقفين على ضفاف المواجهة على مسرح الأحداث، بلغوا في صعود الشجرة مرحلة باتت أمامهم فقط نقلة أخيرة قبل التدحرج، أو القفز الطوعيّ تفادياً للسقوط، وكيف أن الجميع ماضٍ في السير بخطته واعتقاده بأمرين يصعب أن يكونا صحيحين على الضفتين، الأول أنه على حق، والثاني أنه يملك القدرة اللازمة لفرض أجندته وتحقيق أهدافه، وتتضاءل تدريجياً لغة الحساب المصلحي التي كانت تبنى عليها السياسات، وتحل مكانها لغة التعبئة الأيديولوجية او العنصرية أو الوطنية تحت شعار التضحيات الواجبة، بعدما كان النظر لهذه التضحيات بصفتها أضراراً وخسائر واجب السياسة تفاديها. فمواجهة نقص الطاقة في أوروبا وصولاً لخطر الصقيع وإفلاس الشركات وتوسّع نطاق الفقر والبطالة، هي تضحية لازمة من أجل الحرية، كما يردّد بلا استثناء كل زعماء أوروبا على مسامع شعوبهم، لا بل يضيفون أنهم لن يسمعوا صوت الشعب لأن القضية المبدئيّة المطروحة، وهي مواجهة روسيا لا تحتمل معايير الديمقراطية. وبالمقابل تمتلئ الصحافة الروسية وتصريحات المسؤولين في موسكو لنداءات الوطنية لبذل التضحيات وتحملها، تحت عناوين العزة والكرامة ومواجهة الإذلال ومخططات التهميش، أما في أميركا فخطاب الحرب وتمويلها بلا حدود لا يهتمّ لكون نسبة الاهتمام لدى الرأي العام الأميركي بما يجري في أوكرانيا في أدنى المراتب.
– كما في القضية الدولية الأبرز التي تمثلها الحرب في أوكرانيا، في قضايا لا تقل خطورة مثل تايوان، تستمر وتتواصل لغة الشحن والتعبئة، فيما المسافة الفاصلة عن بلوغ حافة الهاوية تضيق، ولولا الإشارات الأخيرة قبل يومين حول تقدّم ما متوقع في الملف النووي الإيراني لأمكن قول الشيء نفسه، ولا يبدو في أي من هذه الملفات المتفجرة، أن ما يعرفه المسؤولون عن حجم مخاطر بلوغ الطريق المسدود، يشبه ما تقوله مواقفهم وتصريحاتهم. فبينما يعلم المسؤولون في الغرب أن موسكو جادة في ضمّ الشرق الأوكراني الذي كان جزءاً تاريخياً من أراضيها، بعد اليأس من ضمانات تحول دون استخدام أوكرانيا كخط اشتباك للناتو معها، وضمانات موازية للأوكرانيين من أصول روسية، رغم سنوات التفاوض واتفاقات مينسك، وأن موسكو جادة أيضاً إذا استمر تدفق الأسلحة الغربية النوعية على أوكرانيا بوضع السلاح النووي على الطاولة، تكتفي تصريحات المسؤولين باعتبار التلويح بالنووي تهويلاً أو علامة يأس وضعف، لكنها لا تجيب عن سؤال ماذا لو تمّ ذلك؟ فكيف سيكون التصرف؟ والسؤال نفسه يطرح أمام الخطابات العنجهية في العديد من الملفات المتفجرة، كحديث قادة كيان الاحتلال عن فرضية المواجهة حول حقول الغاز بلغة الاستخفاف والغطرسة، وهم يعلمون أنهم يكذبون.
– خلال هذا الخريف سيصل كل شيء الى لحظة الذروة الصعبة والعتبة الحرجة، والوضع العسكري في أوكرانيا لن ينتظر للعام المقبل، واحتمالات حدوث المفاجآت الخطيرة واردة وبقوة، ومنها فرضية استخدام السلاح النووي. وفي تايوان لا أحد يضمن عدم حدوث تصاعد يؤدي الى مواجهة. وفي الملف النووي الإيراني يقول الأميركيون إن زمن بلوغ إيران العتبة النووية التي يخشونها ولا يريدونها يقع في الفترة التي تفصلنا عن نهاية العام، وفي ملف النفط والغاز في لبنان والمفاوضات مع كيان الاحتلال، كل شيء يقول إن الحل ما لم يأت في الخريف فالحرب سوف تسبقه، وأوروبا بيضة القبان في كثير من هذه الأزمات ما لم تجد حلاً جذرياً لموارد الطاقة يقول الخبراء إن لا بديل عن روسيا فيه، فإن كل خطابات التعبئة والتجاهل لن تجدي والفوضى والاضطرابات ستكون سيدة الموقف، ولا أحد يستطيع التحكم بمساراتها ونتائجها وتداعياتها.
– ببساطة العالم أمام خريف الانفجارات الكبرى ما لم يسارع المعنيون برسم مسار الانفراج. والغرب الذي يكابر في التمسك بعناصر نظام عالميّ انتهى، وحده يملك عبر العقلانية التي طالما شكلت أساس الفلسفة والسياسة عنده، أن يفتح أبواب الانفراج، لأن الآخرين بلا استثناء وقد نهضوا لقضاياهم فيدركون أن كلفة التراجع أعلى من كلفة الذهاب الى الانفجار، وما يصحّ في حال الغرب يصح أكثر في حال الكيان، فهل أصبحوا جميعاً في طريق مسدود تزيد فيه كلفة التراجع عن كلفة الانفجار، أم أن ما نراه من مؤشرات في ملف ترسيم الحدود البحرية للبنان وعودة الأمل للتفاهم حول الملف النووي الإيراني، وما يًقال عن اتصالات أميركية روسية لتخفيض منسوب التوتر في أوكرانيا، سوف يشكل علامات انفتاح الأفق نحو مسار الانفراج؟