كاريش: انتصار على وقع معادلات المقاومة
} شوقي عواضة
لم يكن الأمر سهلاً على الياهو فينوغراد رئيس لجنة فينوغراد في تقريره بعد عدوان تموز عام 2006 الذي أشار فيه إلى الفشل والإخفاق في حرب لبنان على المستويين السّياسي والعسكريّ وعدم توفر التّخطيط الاستراتيجي الذي يتلاءم مع المعركة ممّا أدّى إلى هزيمة جيش العدو «الإسرائيلي» ومنظومته الأمنيّة وترسانته العسكريّة المتطوّرة وانتصار حزب الله انتصاراً ساحقاً للبنان والأمّة بامتياز. ذلك الانتصار الذي كان إنكاره من حكومة فؤاد السّنيورة وجوقة السّفارة الأميركيّة وأدواتها أسهل بكثيرٍ من اعتراف فينوغراد بهزيمته. وعلى قدر ما آلمت الهزيمة العدوّ سياسيّاً وعسكريّاً كانت آلام ذلك الفريق المتصهين أشدّ وأقوى ولا تزال تتصاعد عند كلّ إنجازٍ وانتصارٍ للمقاومة.
وعلى تلك المنهجيّة الانبطاحية المذلّة تدأب تلك الأدوات الأميركيّة «الإسرائيليّة» في لبنان على محاولة تقويض إنجازات المقاومة عند كلّ مفصلٍ أساسي بل إنّهم يسابقون الأميركي و»الإسرائيلي» في التآمر على المقاومة ولو أنّهم يمتلكون جزءاً صغيراً من قدرات المقاومة العسكريّة لتقدّموا على «الإسرائيلي» والأميركي في فتح النّار على المقاومة ومحاربتها لكن ثمّة حقيقة تاريخيّة كانت نتاج تراكمات العمل المقاوم تحول دون تحقيق أمانيهم مهما امتلكوا من قوّةٍ أو سلاحٍ فهم يدركون أنّ المقاومة التي هزمت (الجيش الذي لا يُقهر) وأذلّت نخبته لن يرهبها صبية السّفارة الأميركيّة ومرتزقتها وعملاء العدوّ الاسرائيلي، أولئك (السّياديّون) الذين يشكّلون رأس الفساد في السلطة لسنواتٍ طويلةٍ ممّا أدّى إلى إفلاس الدولة وتقويض مؤسّساتها لتتحوّل إلى أدوات لتشديد العقوبات الأميركية على لبنان ولتتبنّى مواقف العهد «الإسرائيلي» في موضوع ترسيم الحدود واستعادة لبنان لحدوده البحريّة والنفطيّة والغازيّة بحجّة تجنيب لبنان أيّة مواجهة مع الكيان الصّهيوني المؤقت حرصاً على (سيادة) لبنان الذي يساهمون بمعاقبته مع الأميركي ومنعاً من هتك (السّيادة اللبنانيّة) من العدوّ «الإسرائيليّ» الذي يتجنّب خوض أيّة مواجهة ضدّ حزب الله مراهناً في الوقت نفسه على قيام أدواته وحلفائه التّاريخيين بالمهمّة في مواجهة المقاومة وما تصريح رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع حول بناء الدولة إلّا تجسيدٌ حقيقيٌّ يعبّر عن سياسات قادة العدوّ فتصريح جعجع الذي اعتبر فيه أنّه لا يمكن ان تقوم في لبنان دولة طالما حزب الله موجود ما هو إلّا تعبير أكثر دقّةً وتفصيلاً عن موقف رئيس أركان الجيش الاسرائيلي أفيف كوخافي الذي اتهم فيه حزب الله بمنع التغيير الإيجابي في لبنان.
تصريحان يؤشّران إلى مسارٍ واحدٍ وسلوك منهجيّةٍ موحّدة تحمل العديد من الأهداف منها:
1 – محاولة العدوّ تحقيق تقدم على السّاحة اللبنانيّة من خلال الضّغط من الدّاخل في ظلّ العقوبات الأميركيّة ونزاع الحدود البحريّة والنّفطيّة والغازيّة لإلحاق لبنان بدول التّطبيع.
2 – إطلاق حملةٍ إعلاميّةٍ محليّةٍ ودوليّةٍ لتشويه صورة المقاومة وتحميلها مسؤوليّة الفساد والعقوبات الأميركيّة وفشل المفاوضات غير المباشرة مع كيان العدوّ.
3– دعم الموقف الأميركي و(الإسرائيلي) في محاولة عرقلة المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ لمنع المقاومة من تسجيل أيّ انتصار اقتصادي يحقّقه لبنان بفضل تهديداتها
4 – تعطيل عمليّة الإصلاح السّياسي وعرقلة الانتخابات الرّئاسية والحكوميّة لتأجيل أيّ تفاهم يتوصّل إليه لبنان مع العدوّ وإعطائه المزيد من الوقت لتمييع المفاوضات وتحقيق أهدافه.
مؤشرات ليست بجديدةٍ بل تشكّل الاستراتيجيّة السّياسيّة التي تحكم بعض القوى السياسيّة (اللبنانيّة السياديّة) داخل لبنان وفي مقدّمتها القوات اللبنانيّة التي قدّمت أوراق اعتمادها كمنقذٍ للبنان وهي العاجزة عن إنقاذ بيئتها من الأزمة الاقتصاديّة التي يعيشها لبنان الذي لم تنكّس له راية منذ أن بدأ عصر المقاومة التي أصبحت ركناً أساسيّاً ومتيناً من أركان قوّته الثّلاثيّة الجيش والشّعب والمقاومة. فأميركا التي أذلّت نخبتها من قوّات المارينز عام 1982 في لبنان لا تزال هي ذاتها ببلطجتها وعنجهيتها التي لم ولن يكسرها ويحطم هيبتها إلّا الشّرفاء المقاومون، وما عجزت عن تحقيقه الإدارة الأميركيّة في ذروة وجود قوّاتها في لبنان ستفشل في تحقيقه عبر أدواتها وستسقط كلّ رهاناتها وأدواتها. وما انصياع العدوّ وإذعانه لشروط لبنان إلّا إنجاز من إنجازات المقاومة ومعادلاتها التي فرضت على العدوّ وأملت عليه شروط لبنان للوصول إلى تفاهم يستعيد به لبنان حقوقه النّفطيّة والبحريّة تلك الحقيقة الدامغة التي أقرّ بها كبار قادة العدوّ «الإسرائيلي» من سياسيّين وعسكريّين وأمنيين وحتى بعض الأميركيين وفي مقدّمتهم مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة السابق لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر الذي صرّح في إحدى مقابلاته (حتماً حزب الله سيعلن الانتصار الإلهي الثاني. بعد أن نال لبنان مكاسب في التّفاهم، تقريباً نال مئة في المئة من كلّ ما طلبه لبنان، هناك نقاط خلافيّة صغيرة يمكن تخطيها بسهولة).
هزيمةٌ جديدةٌ أقرّ بها العدوّ ويعترف بفشل رهاناته وسقوط معادلاته أمام تهديدات حزب الله في كاريش والخضوع لشروط لبنان بفضل المقاومة وصواريخها التي فرضت ما يريده لبنان لا عدوّه ولا أدواته في الدّاخل.