أخيرة

يا أبناء بلاد الشام والرافدين استفيقوا قبل فوات الأوان

} يوسف المسمار*

 

يا أبناء الحياة في بلاد الشام والرافدين إن عواصف العدوان الخارجي وجاهليّة التآكل الداخليّ تتكسّر على شواطئ وعيكم، وقوة إيمانكم، وممتازية مزيجكم، وفعل إرادتكم، وأسطورية صمودكم، فما نال أعداء الأمة منكم في فلسطين ولا أرعبوكم في لبنان، ولا حطموا إرادتكم في العراق ولا استطاعوا أن يلووا عزيمتكم في الشام.

 أبعد كل هذه البطولات هل يحق أو يجوز السكوت والوقوف متهيّبين واجمين أمام معاهدة سايكسبيكو التي أبرمها المجرمون لتحرف مسيرة أمتنا عن النهضة الى الانحطاط؟

هل يجوز أن نترك الأنانيين النفعيين الجبناء والخونة والمتآمرين أن يفعلوا ما يشاؤون ليشبعوا شهواتهم الخصوصيّة التي لم تجلب على شعبنا الا الويل والمآسي وفظائع الخراب؟

ان الله ليس بحاجة الى مَن ينصره لأنه ليس بعاجز ولا معاق، بل هو الناصر العادل الذي لا يظلم أحداُ ولا يساعد أحداً على ظلم أحد.

هو العادل القائل: «مَن عمل صالحاً فلنفسه، ومَن أساء فعليها». فإذا كانت طبيعتنا شريرة وأفعالنا فاسدة سيئة فلا شيء في الوجود يُغيّر طبيعتنا وطبعنا ويجعل من فساد أعمالنا صلاحاً. وحتى الله لا يقبل ولا يرضى على ذاته الالهيّة الا أن يعيّن الفساد ويحكم على الفاسدين ويساعد الصالحين على القضاء على الفساد. أما إذا كانت نفوسنا صالحة خيِّرة جميلة عزيزة، وأعمالنا صالحة خيّرة جميلة عزيزة، فنحن مَن يصنع الانتصار، والله بعدله الإلهيّ بعد ذلك لا يمكن الا أن يرضى ويُصدّق ويُصادق على انتصار الصالحين ويساعدهم على تحقيق ما يريدون ويطمحون.

لقد ورد في القرآن الكريم: «لا يُغيِّـر الله ما بقـوم ٍ حتى يغيِّـروا ما بأنفسهم»، وانطلاقاً من هذا القول الحكيم نقول إن الله لا ينصرُ مَن لا ينصرُ نفسه.

الداء الفتاك أصبح واضحاً، وينبغي إيجاد الدواء قبل استفحاله. وأعني داء الفتك بالإنسانية الحضارية لصالح الهمجيّة. ومَن يعتقد أن بلائحة العقاقير يمكن النجاة فهو واهم لأن داء الهمجيّة ما عاد يُولد بالصدف بل أصبح يُزرع زراعة، ويُصنـّع تصنيعاً. وأصبحت له مختبرات تـُنمّيه وتـُطوّره.

 وأصبح له علماء وفلاسفة ومهندسون وفنيّون وأدباء واقتصاديّون وإعلاميون وجيوش وإدارة وقيادة متحكمة بكل عمليات زرعه وتصنيعه وإنتاجه وتنميته وتطويره وتوسيع انتشاره، وهو ما يطلق عليه: «الإرهاب الإجرامي»، ولكن هذا الإرهاب الاجرامي لم يكن يوماً هو المشكلة كما يحلو للبعض أن يقول، لأنه مرفوض ومكروه من جميع الناس بالفطرة الإنسانية والطبيعة الحضارية.

ولذلك لم تعد مكافحة الإرهاب الإجراميّ هي الوسيلة الأصوب، بل الوسيلة الأصوب والأصح والأنفع هي مكافحة زارعي بذور الإرهاب الإجراميّ، ومصنّعي الإرهاب الإجراميّ، ومطوّري وسائل انتشاره وهيجانه، وهم هم بالذات الذين يشكلون الأخطبوط الأميركياليهودي الصهيونيالماسوني المنفلت من عصور أعاميق ظلمات كهوف الدهور المليئة بجراثيم ومكروبات الهمجيّة والتوحش.

فإذا كافحنا الإرهاب الإجراميّ ولم نكافح هذا الاخطبوط الزارع والمصنـِّع والمتاجر بالإرهاب، فسيستمر الإرهاب يدمر كل ما ننتجه من معارف وعلوم وآداب وفنون واقتصاد وبناء وأخلاق وقيم وحضارة.

 فالحرب في بلاد الشام والرافدين حرب وجود تستهدف التراب وباطن التراب، والماء والهواء، والحجر والشجر، والحيوان والبشر، وما في الأصلاب وما في الأرحام. ولن توفـِّر الأصلاب والأرحام، ولا يرضى العدوانيون الا موقع بيئتنا خالية من كل أثر لحياتنا فيها.

إن المعركة الجارية في الشام الآن هي معركة حياتنا وموتنا وتتطلب من كل ذي ضمير حيّ ووعي سليم وبقية من كرامة أن يلتحق بجميع جبهات القتال:

 وأولى هذه الجبهات الجبهة النفسيّة التي تقوم على اجتثاث واستئصال كل شعور يبرر حتى الهدنة مع هذا الاخطبوط المتوحش. وثانية هذه الجبهات قطع ألسنتنا إذا تحولت الألسنة الى ناطقة بالزور ومروجة للأعذار التي تلطـِّف من بشاعة جرائم المجرمين. وثالثة هذه الجبهات أن نضع حداً لحياتنا اذا أصبحت حياتنا في خدمة هذا التحالف العدوانيّ المجرم.

فلا عذر يدفع الى القعود والتخاذل والتهرّب من الاشتراك في الدفاع عن حقنا في الوجود والحياة بعد اليوم لأي من أبناء جيلنا الأحرار الأعزاء وخاصة في فلسطين ولبنان، والشام والأردن، والعراق وكردستان العراق والكويت.

فأصدقاؤنا صاروا معروفين وأعداؤنا كذلك أيضاً معروفون. فمن يركن للأعداء جاهل، ومن يُفرِّط بالأصدقاء غبيّ، ومَن يساوي بين الأصدقاء والأعداء مجنون، ومَن لا يعرف كيف يوطـِّد علاقاته وينشطها ويقوّيها مع الأصدقاء ويواجه الأعداء ويكسر صلفهم وعدوانهم لا يستحق الحياة وشرف الحياة.

 أعداؤنا أصبحوا في بيوتنا. هم العملاء الخونة المأجورون الذين سهّلوا ويسهـّلون للأعداء الخارجيين إجرامهم. الفظوهم من بين صفوفكم ولا تخافوا لومة لائم حتى ولو كانوا أجداداً وجدات، وآباء وأمهات، وأعماماً وعمات وخالات، وأبناء وبنات، وأحفاداً وحفيدات.

فهؤلاء ليسوا منّا ولا يشرفنا أن يكونوا منا أو ننتمي اليهم وينتمون الينا. فقد نعت الله نفسه بالصفات الحسنى ومن المحال أن يقبل ذرة واحدة من نعوت السوء والبشاعة.

وكم كان مصيباً العالم الاجتماعي الشهيد أنطون سعاده حين وجّه نداءه إلينا في نهاية مؤلفه «الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية» قائلاً:

«أيّها السوريون المقيمون والمهاجرون ارحموا أنفسكم وعيالكم وذريّتكم يرحمكم الله.

 انبذوا الذين يريدون بكم شقاقاً، والتفوا حول الذين يريدون بكم وفاقاً.

واتركوا قضايا الأخرى للأخرى وتعالوا الى كلمة سواء تجمع شملنا وتعيد إلينا وطننا وأهلنا وعزنا وكرامتنا وحقوقنا ومصالحنا.

تعالوا الى رابطة كل سوريّ وسوريّة بكل سوريّ وسوريّة ورابطة الأجيال السورية الماضية والحاضرة والمقبلة».

فبالاستجابة لهذا النداء نستطيع مواجهة مصنّعي ومنتجي وممولي الإرهاب ليموتوا بغيظهم، فيتلاشى إجرام الإرهاب، ويُمحى أثره ولا يعود له أثرٌ يربك حياة الناهضين.

*باحث وشاعر قومي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى