ما هو أبعد من فتنة الحجاب: تقويض النظام وتقسيم إيران!
د. عدنان منصور*
لم يشهد العالم حرباً سياسية خبيثة ومضللة، وحملة إعلامية شرسة، مثل ما شهدته، وتشهده إيران في هذه الأيام. إذ جعلت من حجاب امرأة قضية “إنسانية”، والشغل الشاغل، استغلها أعداء طهران في لندن وواشنطن وتل أبيب، للانقضاض على الثورة والنظام، وجعل الحجاب عنواناً لثورة شعبية على الدين، والقيم، والمقدسات.
هذه القوى المعادية أطلت على العالم ببروباغندا إعلامية، وحرب نفسية واسعة النطاق، قلّ نظيرها، لتروّج للعالم أخباراً ملفقة مضللة، ولتصوّر له أنّ الردّة والإلحاد، والتطاول على القيادات الروحية، والثورة على النظام، والمسّ بالدين والعادات، والتقاليد، شقوا طريقهم الى عقول الإيرانيين، كي يزيحوا عن كاهلهم النظام الإسلامي ويقتصّوا منه.
إنّ مشكلة العديد من المحللين خارج إيران عندما ينظرون، ويتوقعون عن بعد، ويكتبون عن الأحداث في إيران، أكان ذلك عن حسن أو سوء نية، غالباً ما يقعون في فخ حملات التضليل، وغسل الدماغ، والأكاذيب التي تروّجها الدوائر الغربية دون توقف ضدّ طهران، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبريطانيا و”إسرائيل”، وحلفاؤهم، حيث لهذه الدول سجل أسود في تعاطيها مع إيران وتدخلها في شؤونها، وتآمرها المستمر عليها.
هؤلاء المحللون، والمنظرون يجهلون حقيقة وطبيعة ومعدن الشعب الإيراني، كما لا يعرفون مدى إيمانه الراسخ بدينه وتعلقه العميق بمقدساته، وانتمائه المتجذر إلى وطنه، ومعرفته الواسعة بتاريخه، وما يكنّه من عداء وكره شديدبن لقوى الهيمنة والتسلط التي مارست في بلده أقذر سياسات القهر والاستغلال، وأيضاً رفضه المطلق لوجود دولة الاحتلال “الإسرائيلي” لفلسطين.
من هنا كانت المواجهة بين إيران وقوى الهيمنة الغربية، منذ انتصار ثورتها وحتى اليوم. إذ لم تترك هذه القوى وسيلة إلا ولجأت اليها للإطاحة بالنظام الإيراني وثورته، ولم تتوقف عن فرض حصار وعقوبات شديدة عليها، وكانت وراء حياكة المؤامرات، والأعمال الإرهابية والتفجيرات، والاغتيالات، وزرع الشبكات التجسّسية، وإشعال الفتن، وإثارة النعرات المذهبية والقومية، والعرقية، والتحريض على الفوضى، والعبث بالممتلكات الخاصة والعامة. إضافة إلى ذلك، قيام القوى الغربية بحملات إعلامية عدائية يومية مركزة، تبثها عشرات الإذاعات والمحطات الأرضية والفضائيات، والصحافة، ووسائل التواصل الالكتروني على أنواعها، التي تتخذ من الدول المعادية لإيران مقراً لها، للتهجّم والنيل من النظام الإيراني وثورته.
لقد عرف الشعب الإيراني منذ عقود، طويلة ما فعلته وتفعله بحقه، وما تبيّته قوى الهيمنة والتسلط له، فكان يتصدّى لفتنها، ومؤامراتها على إيران، ويصمد في وجهها، ليخرج في كلّ مرة من الفتن، أكثر قوة، ووحدة، ومناعة، والتصاقاً، دفاعاً عن ثورته ونظامه.
عداء الغرب وحلفائه النظام الإيراني، لم ولن يتوقف. فالأحداث التي شهدتها إيران، توخى منها أعداؤها، أن تؤدّي الى ما هو أبعد من الحجاب، بحيث تكون هذه الأحداث، مقدمة للعصيان، والفوضى العارمة، التي تزعزع أسس النظام وتقوّضه، وتشعل في الوقت نفسه الأطراف الجغرافية لإيران، لا سيما، في محافظات بلوشستان شرقاً، ومناطق خوزستان جنوب غرب إيران، وفي ايلام، وأذربيجان، وكرمنشاه، وكردستان غرباً، بغية
سلخها وفصلها في ما بعد عن السلطة المركزية في طهران، وإعلان استقلالها.
عيون واشنطن ولندن وتل أبيب، وتركيا واذربيجان، وأجهزة مخابراتهم تتركز على المناطق الشمالية، والغربية، والشمالية الغربية لإيران، نظراً لموقعها وأهميتها الجغرافية والاستراتيجية لها، وما تتسم به هذه المحافظات من تعددية عرقية، وقومية، وثقافية، ولغوية، ومذهبية.
فهذه المحافظات محاطة بأجهزة مخابرات غربية ـ إسرائيلية تعمل من داخل العراق، وأذربيجان، وبالذات من إقليم كردستان ـ العراق، حيث لجهاز الموساد “الإسرائيلي” نشاط واسع فيه، منذ عقود طويلة، إذ يقوم باستهداف الاستقرار والأمن القومي الإيراني عبر الحدود العراقية الإيرانية. كما للموساد نشاط واسع وبارز في أذربيجان، حيث يتخذ من أراضيها منطلقاً لتنفيذ أعمال إرهابية مع عملائه في الداخل الإيراني، مستفيداً من حرية التحرك المتوفرة له من جانب جمهورية أذربيجان، التي لا تنفك بين الفينة والفينة عن إثارة الفتن في محافظة أذربيجان الغربية التابعة لإيران، والتي تطالب بها من آن الى آخر، وتعتبرها امتداداً لها.
إنّ تقسيم إيران، وقضم اراضيها، قاسم مشترك، بين أذربيجان وتركيا، وسلطة كردستان العراق، والولايات المتحدة، و”إسرائيل” حيث لكلّ منهم حساباته الخاصة به، ومصالحه بعيدة المدى. لذلك لن تتردّد واشنطن، وأنقرة واذربيجان إذا ما أتيحت لها الفرصة، بعزل إيران جغرافياً عن أرمينيا، حتى لا تكون ممراً حيوياً للمشروع العملاق “الحزام والطريق”، الذي سيعبر الأراضي الإيرانية الأرمينية الى أوروبا. لذلك كانت هذه الدول تعوّل وتراهن على فتنة الحجاب، وتداعياتها، ونتائجها، وتطورات الأحداث، واستفحالها، لتغيير حدود شمال غرب إيران، والاستيلاء على الشريط الحدودي “زنفة زور” وإخراجه من سيطرة أرمينيا وإيران عليه، ومن ثم ضمّه لجمهورية أذربيجان، ليشكل بعد ذلك الحدود الفاصلة بينها وبين تركيا، ولتكون في ما بعد الممر الإلزامي، وصلة الوصل بين إيران وإوروبا.
ضمّ شريط “زنفة زور”لجمهورية ازربيجان, وعزل إيران عن أرمينيا، سيتيح المجال للحلف الأطلسي مستقبلاً، الوصول الى الشواطئ الإيرانية على بحر قزوين، عبر البوابة التركية ـ الأذربيجانية ما يسهّل للحلف بعد ذلك حياكة مؤامراته عن قرب ضدّ إيران، ليستهدف استقرارها ووحدة أرضها، وأمنها القومي.
إنّ إلهاء الجيش الإيراني والحرس الثوري في التصدّي للقوى الإرهابية في الداخل، ولأعمال الشغب، ليس إلا مقدمة يخطط لها أعداء طهران، ليتبعها في ما بعد مؤامرة التقسيم في الشمال، والشمال الغربي لإيران.
منذ أربعين عاماً وحتى اليوم، لم تحصد القوى المعادية لإيران سوى الخيبات، في حين تثبت طهران للعالم كله، انّ لديها قيادة وجيشاً وشعباً موحداً يعرف جيدا كيف يتصدّى لمؤامرات أعدائه، ويحبط خططهم، ويحافظ على إنجازات ثورته.
للمنظرين والمحللين في الغرب، والمعادين للنظام وثورته: إقرأوا إيران وشعبها جيداً عن قرب، ولا تحكموا عليها جهلاً، أو خطأ، أو عمداً عن بعد، حتى لا تتيهوا بتنظيراتكم المضللة، وتحليلاتكم المشبعة بالوهم، والعداء، والكراهية للثورة والنظام معاً!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق