أولى

خطاب بوتين

 لم يخطئ قادة الغرب في اعتبار خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نقطة تحوّل حاسمة في مسار العلاقات الدولية، وتخليهم عن التعليق السياسي القائم على السخرية وتصوير الموقف الروسي علامة ضعف وفشل، والانتقال إلى التعامل بالجدية التي يستدعيها التحوّل الكبير الذي فرضته روسيا، والذي ترجمته حالة الإجماع الغربية على الذعر، الذي عبّر عنه الرئيس الأوكراني بتوجيه طلب فوري للإنضمام إلى الناتو، وما قابله من ذعر في حكومات الغرب عبّرت عن نفسها بالإسراع برفض هذا الطلب والقول إنها لا تريد أن تدخل في مواجهة مباشرة مع روسيا.

عملياً وضع الرئيس بوتين في خطابه هدفين للحرب لن تتوقف بدون تحقيقهما، الأول هو اعتبار حدود روسيا مع الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي قابلة لإعادة النظر، على قاعدة العودة الى الحدود ما قبل نشوء الاتحاد السوفياتي، وحقّ روسيا باستعادة ما كان ضمن حدودها التاريخية، خصوصاً في المناطق المجاورة للحدود التي يتكلم سكانها اللغة الروسية ويتحدّرون من أصول روسية، ويلاقون معاملة عنصرية في الدول التي يعيشون تحت رايتها، كما هو حال المقاطعات التي تمّ ضمّها إلى روسيا الاتحادية، وفي هذا التوجه ردّ الاعتبار لحق تقرير المصير بوجه احتماء الغرب وراء مبدأ سيادة الدول، بالإستناد الى ما سبق وفعله الغرب نفسه خلال حرب يوغوسلافيا.

الهدف الثاني الذي كان بوتين واضحاً في اعتباره مشروعاً لا تراجع عنه بالنسبة لروسيا هو إرساء قواعد جديدة للعلاقات الدولية، تنهي مرحلة كانت فيها المعايير الغربية هي المعايير الدولية في الاقتصاد والسياسة والثقافة والقيم الإنسانية، والانتقال الى مرحلة تتساوى فيها مكانة الشعوب والدول في اتخاذ خيارات سياسية واقتصادية وثقافية وقيمية، بما يتناسب مع الاعتراف بأن العالم قائم على تنوع حضاري وثقافي وسياسي واقتصادي، ولا دولة أو مجموعة دول تتمتع بوضعية قيادية فيه لرسم نموذج تقاس على أساسه سائر دول العالم، وهذا يبدأ من التعامل بالدولار وينتهي بالموقف من المثلية.

عملياً لم ينه بوتين النظام الدولي الذي ولد من انهيار الاتحاد السوفياتي فقط، بل أنهى بمفعول رجعي النظام الدولي الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، والذي كانت حدود الشراكة السوفياتية فيه تقف عند الجانب العسكري، بينما كان العالم يُدار اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وقيمياً وفق النموذج الغربي، وهذا ما أسّس لانهيار الاتحاد السوفياتي.

وضع الرئيس بوتين الغرب بين خياري الحرب المباشرة، أو القبول بساحتين للاشتباك، أوكرانيا عسكرياً، وأوروبا اقتصادياً، بينما بعض الغرب يحلم بثورة ملونة.

التعليق  السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى