أخيرة

وداعاً للأنجلوساكسون

عقود ثلاثة منذ أن بدأ كلّ شيءٍ يتراجع، وانطلق الأنجلوساكسون ومن تبعهم من قوىً رديفة بالتقدم وابتلاع الغنائم حتى أوضع في جوفه كلّ الجغرافيا في شرق أوروبا كما تبتلع الباثون فريستها، الإتحاد السوفياتي يذوي وينكمش نحو المركز بينما تتقدّم إمبراطورية الهيمنة فتبتلع ما تشاء من دول وشعوب أوروبا الشرقية

ولكن، ما طار طير وارتفع، إلّا كما طار وقع، فنحن نشهد هذه الأيام، وبعد فترة السكون الاستراتيجي حيث وصلت القوة الماحقة الى منتهاها، نشهد بداية الجزر، وسقوط القطب الواحد.

مئة ألف كيلومتر مربع، عشرة أضعاف لبنان، أضيفت البارحة الى الاتحاد الروسي في مؤشر الى ذلك، وفي معقل الأنجلوساكسون التاريخي تغلق أبواب BBC الناطقة بالعربية والفارسية فيما تتقهقر المنظومة برمّتها، وتتقدّم في المقابل وبإصرار المنظومة المناقضة، من كان يتصوّر انّ هذا الصرح الإعلامي المارق، والذي واكبنا في كلّ مسيرة حياتنا، BBC العربية، و BBC الفارسية، يُضطر الى الصمت نهائياً وإلى الأبد؟

إنها يد الحق المطلقة تفعل من جديد، وتفصح عن إرادة كونية في أنّ المكر السيّئ ومن شدة سوئه ولا أخلاقه وانتفاء كلّ القيَم من أجندته باستثناء القيمة المادية النفعية بدأ يستفز ومن أعماق التاريخ تلك الحضارات الإنسانية والتي كانت ليس بالضرورة طوباوية، ولكن الإنسان ومنظومته القيمية الأخلاقية تجد لها وجوداً في صميمها، في قارة الأنبياء والصالحين والحكماء بدأ طمر التاريخ وسكون الموتى ينفض بعيداً لينبثق الأصل من عمق التاريخ، ويكيل الضربات لكلّ ما يمثله غوغاء الأنجلوساكسون من خروج عن السليقة والفطرة الطيبة

وبعدما تمكّن ما لا يزيد عن 5% من سكان هذه الأرض من الاستحواذ بالبطش وبالقتل وبالإبادة على 35% من اليابسة، لا يحملون معهم من القيَم الإنسانية والتي تميّز الإنسان عن الوحوش ولا حتى شروى نقير، بل أنانية ماحقة، واستنكار ورفض للتنوًع الإنساني في سبيل هلوسة فكرية عن تميّز عرقٍ على آخر تناقض الفطرة الكونية وتتجاهل الإختلاف فيما يصبّ في مصلحة المسيرة الإنسانية بكافة أطيافها وأنواعها نحو فرادة الإنسان في مملكته، وليس فرادة صنف واحد من الإنسان على حساب الكلّ الإنساني

نحن بإزاء بداية النهاية لشذوذ الأنجلوساكسون، وبإزاء الضربات المتتالية التي ستنحّي هذا المخلوق عن موقع التفرّد، وستلقي به الى حيث ينتمي، مزبلة التاريخ.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى