أرض المعركة الاستراتيجية في حرب عالمية محتملة
} د. جمال زهران*
منذ أن دخلت القوات الروسية، أرض أوكرانيا، لتحقيق هدف استراتيجي هو حماية الأمن القومي الروسي، بوقف الزحف من حلف الناتو بدعم أميركي مباشر تجاه قلب روسيا عبر أوكرانيا، وكانت رؤيتنا، هي أنّ روسيا دخلت أوكرانيا، ولن تتراجع حتى تحقيق الأهداف الاستراتيجية، مهما كان الثمن، وحتى لو وصل الأمر إلى استخدام فعلي أو بالتهديد للردع، السلاح النووي.
وقد أشرنا من قبل، إلى أنه من البداية فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالتوازي مع التدخل العسكري، أنه قد أصدر التعليمات وبقرار رسمي، إلى مسؤولي شفرة السلاح النووي، واستخدامه الفعلي، بالجاهزية للإطلاق وفي كلّ الاتجاهات، الأمر الذي يجعل من جدية وشمول التدخل واستحالة التراجع، هو من الأمور الحتمية وبلا تردّد!
وقد قامر بعض المحللين السطحيين، الذين يسيرون وراء القرارات الأميركية والأوروبية والتي أطلقت عقوبات وصلت إلى ما يزيد عن (1000) قرار! بأنّ هذه العقوبات ستأتي نتائجها، وتجبر روسيا على التراجع والانكفاء على ذاتها وداخل حدودها، والرضى حتى القناعة، بالدور الثانوي في النظام الدولي، والقبول بالهيمنة الأميركية، إلا أنّ الواقع شهد ـ وكما توقعنا ـ فشل جميع قرارات العقوبات لأسباب عديدة، سبق أن أوضحنا أسبابه، لعلّ في مقدّمتها، جاهزية روسيا للبيع والشراء بالروبل الروسي، وعقد اتفاق مع الصين، بالتبادل في ما بينهما ـ ومع دول أخرى ـ بالعملات المحلية، واعتبارها عملات دولية، فارتفعت قيمة الروبل، بعدما كان الهدف هو ضرب روسيا واقتصادها من الداخل، فتضطر إلى التراجع عن الاستمرار في التدخل في أوكرانيا، والرضوخ أمام العقوبات الغربية (الأميركية والأوروبية)!!
فضلاً عن أنّ أميركا، التي ضغطت في اتجاه توريط روسيا في أوكرانيا، وحاولت توريط الصين في تايوان، ليقترب العالم من حافة الهاوية باندلاع الحرب العالمية الثالثة، وذلك حسب تقديرها، تصوّرت أنها بمنأى عن هذه الحرب، لاعتبارات جيواستراتيجية، بموقعها بين محيطين الأطلنطي من الشرق، والهادي من الغرب. إلا أنها تناست ـ حسب المقولة السائدة ـ أنّ أسطولها البحري وحاملات طائراتها قد تمّ تدميرها في ميناء «بيرل هاربر» (عام 1942)، على المحيط الهادي، من قبل الجيش الياباني، باعتبار أنّ اليابان هي إحدى ثلاث دول للمحور المكوّن من (اليابان وألمانيا وإيطاليا)، ومن ثم لم تكن أميركا بمنأى عن إجبارها على الانجرار للحرب العالمية الثانية، واضطرت لاستخدام السلاح النووي بإطلاق القنبلتين الشهيرتين على «ناغازاكي وهيروشيما»، لتفرض الهزيمة على اليابان ودول المحور، وانتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945.
وفي المقابل فإنّ روسيا قد هدّدت باستخدام السلاح النووي، مع بداية تدخلها في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، وهي القادرة على الاستخدام الفعلي، كما أنها تهدّد الطرفين الأميركي والأوروبي، ردعاً لهما عن الاستمرار في العقوبات!
والسؤال هنا هو: على أيّ أرض، وأيّ بقعة جغرافية ستجري فيها الحرب العالمية المحتملة؟ هل سيُكتفى بأوكرانيا وتايوان، أم أنها فرصة لتوسيع الرقعة الجغرافية، وإعادة توزيع النفوذ بين الدول المتصارعة، وقد يتشكل العالم وفقاً لنتيجة الحرب النهائية؟!
بالرجوع إلى سابق الحربين العالميتين الأولى والثانية، فقد كانت الرقعة الأكبر جغرافياً، التي دارت فيها الحربان، هي إقليم الشرق الأوسط والمنطقة العربية وأوروبا، ولم تصل بعد إلى جنوب الصحراء في أفريقيا، أو أميركا بشمالها وجنوبها، باستثناء ميناء «بيرل هربر»، الأميركي في الشمال، كما أنها لم تصل إلى آسيا إلا بشكل متوسط بسبب إصرار اليابان على توسيع الرقعة الجغرافية، بإقحام الصين وكوريا وفيتنام، بهدف تحطيمها وتقسيمها، وهو ما حدث بعد الانتهاء من الحربين، خاصة الثانية!
إلا أنّ المرجح الآن خلال عام 2022، في حال اندلاع الحرب الثالثة، فإنّ أوروبا، هي أرض المعركة الأولى، وقد يؤدّي إلى دمارها، أو المسارعة بالتراجع عن الخيار الأميركي إلى الخيار الروسي. فضلاً عن الإقليم العربي، والشرق أوسطي، حيث أنه يضم بؤراً ساخنة في ليبيا والسودان واليمن وسورية والعراق ولبنان، وقد تمتدّ إلى مصر ودول الخليج العربي التي تمتلك النفط والغاز، ومن المحتمل أنّ أميركا ستعلن احتلالها، وقد تحدث تحرّشات مع إيران وتركيا وفي الجزائر.
فالأمر جدّي وخطير، وعلى صنّاع القرار في الإقليم المسارعة بالتنسيق والقفز على الخلافات الحالية، تفادياً لتعرّض المنطقة لدمار شديد، نتيجة لحالة الانفلات والتي يصعب السيطرة عليها، إنْ لم يكن مستحيلاً!!
الصورة قاتمة… والشعوب غاضبة في كلّ أنحاء الإقليم وبدرجات متفاوتة، وربما تكون لها الكلمة النهائية، وعلى ما يبدو أننا لن ننتظر كثيراً، حتى نرى الصورة في أسوأ درجاتها…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.