يمدّهم في طغيانهم يعمهون
} بشارة مرهج*
في الوقت الذي ينشغل فيه الرأي العام بتشكيل الحكومة والانتخابات الرئاسية والمفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، يقوم تحالف السلطة والمال بخطوات حثيثة للإطباق على ما تبقى من اقتصادنا وثرواتنا الوطنية، والإجهاز على ما تبقى من روح الصمود في أوساط شعبنا الذي تعرّض لأكبر سرقة في التاريخ جعلته من أفقر شعوب الأرض، بعدما كان قد شيّد لنفسه مكانة مميّزة بين الأمم استحقها بجهده وتعبه سواء في ربوع الوطن أو المغتربات.
وتتمثل هذه الخطوات الجديدة بتعطيل القضاء ومنعه من القيام بواجباته تحت عناوين متعدّدة مما يلحق أشدّ الضرر بمصالح الناس وأهالي شهداء المرفأ والموقوفين ظلماً والمودعين الذين يضطرون لاقتحام البنوك تحريراً لودائعهم المحتجزة بغية استخدامها لشراء دواء لا مجال لتأجيله أو دفع قسط مدرسة ترفض الانتظار.
وإذ يستمرّ تعطيل القضاء دون مساع جدية لحلّ إشكالاته يجد لبنان نفسه في مهبّ الرياح خاسراً ما تبقى من سمعته مندرجاً في صفوف الدول الفاشلة فيما أركان الحكم فيه يستغيثون بالخارج يطالبون الدول والمؤسسات بالدواء والغذاء والمساعدات بينما هم يرفضون القيام بأيّ خطوة إصلاحية تستعيد الثقة وتعطي الاقتصاد فرصة للانطلاق، ويرفضون في الوقت نفسه التخلي عن ليرة واحدة مما كنزته أيديهم عبر السطوة والنفوذ.
انّ استمرار تعطيل القضاء لم يعد أمراً يمكن السكوت عليه، خاصة أنه الى جانب إيذاء المواطنين، يعطي فرصة لتحالف السلطة والمال كي يمضي في سياساته الرعناء ويحتفظ بأرباحه غير المشروعة ويتهرّب من مسؤولياته الجسام ويتحلل من التزاماته التي قطعها تجاه الهيئات اللبنانية والعربية والدولية بإقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة وتوحيد سعر الصرف والشروع بهيكلة المصارف، لا سيما أنّ هذا التحالف أخذ مجده في رفع الدعم عن السلع الأساسية بما فيها الدواء، دون أن يتورّع عن فرض الرسوم والضرائب الباهظة على جموع المواطنين فيما موازنته المهلهلة تتمادى في استرضاء أصحاب سندات الخزينة وتسطير الإعفاءات للاحتكارات والكارتيلات.
أما أخطر ما يترتب على عملية تعطيل القضاء فهو تعويد الناس على غياب القانون في بلد طالما اعتزّ أهله بالبنية الدستورية والقانونية التي تقوم عليها دولتهم. ومع غياب سلطة القانون، حتى بمفهومها المعنوي، تصبح شريعة الغاب هي السائدة في بلد يشكو أصلاً من الدويلات والسيادات المحلية والعصبيات المتخلفة والزعامات التي تعتبر التمرّد على القانون من أهمّ خصائصها.
إلى ذلك فإنّ استمرار الحال على ما هو عليه سيشجع أصحاب النفوذ والمال على المزيد من الاستهتار بكرامات الناس وإنكار حقوقها وتجاهل مطالبها فيما هي تعاني أشدّ المعاناة مادياً ونفسياً مما يهيّئ الطريق في الغد القريب الى قيامة مدّ بشري جارف يصعب الوقوف بوجهه خاصة أنّ الواقفين بوجهه اليوم قد اعتراهم الضعف والوهن واستبدّ بهم القلق والتفكك فبدأوا يكيلون التهم لبعضهم البعض كما أفصح لنا بالأمس البيان الشهير لجمعية المصارف.
إنّ القضاء اللبناني مطالب اليوم بحلّ مشاكله بنفسه دون العودة الى تحالف السلطة والمال الذي يرحب بهذه المشاكل ويتوسّلها لتعطيل أيّ مبادرة قضائية جريئة تتجه الى مساءلته ومحاسبته وإعادة الأموال التي سلبها مع حلفائه وأزلامه، وهي أموال تكفي لتمويل نهوض الاقتصاد وأيّ زيادة مطلوبة في رواتب القطاع العام وفي مقدمها سلك القضاء، الذي لا يتجاهل حقوقه إلا ساقط أو لئيم.
*نائب ووزير سابق