هل يسقط اتفاق الترسيم ونذهب إلى الحرب؟
ناصر قنديل
ــ فجأة صار السؤال هل تقع الحرب محور كل تداول بالمواقف الإسرائيلية المعلنة حول الرد اللبناني الموجه للوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتاين، سواء بكلام رئيس حكومة الاحتلال عن رفض الطلبات اللبنانية ولو أدى الأمر الى انهيار فرصة الاتفاق بالتوازي مع إعلان العزم على استخراج الغاز من حقل كاريش في موعده ولو اقتضى الأمر الذهاب إلى حرب، أو بكلام وزير حرب الكيان بني غانتس عن إعلان الاستنفار على الحدود مع لبنان تحسباً لحدوث تصعيد، بينما ذهب رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو الى اعتبار تراجع حكومة لبيد عن الاتفاق نتيجة مواقفه الرافضة للاتفاق، فهل سقط الاتفاق؟
ــ يبدو الحديث عن سقوط الاتفاق وتصاعد احتمال المواجهة مبكراً ومتسرعاً، رغم وجود بنود في الخلاف المستجدّ بعد الرد اللبناني، يمكن لها أن تتحول إلى مصدر لتصعيد يدفع بالتفاوض من الساحة الباردة الى مزيد من السخونة، وربما الى مفاوضات حافة الهاوية، حيث قضية خط الطفافات التي وضعها جيش الاحتلال في المياه بصفتها خطاً أزرق بحريّاً دون أي دور للبنان او شراكة للأمم المتحدة، ويريد تكريسها في الاتفاق كحدود بحرية دوليّة، يمكنها أن تتحول الى قضية خلاف رئيسي يكبر ويتصاعد. وبالقياس لباقي القضايا التي أثارها الردّ اللبناني، تبقى القضايا الأخرى أقل إثارة للتصعيد، بما فيها قضية إصرار لبنان على إيضاحات تتصل بفصل التزامات الشركات العاملة في الحقول اللبنانيّة عن أي التزامات جانبية بينها وبين كيان الاحتلال، أو التمييز بين عدم خضوع الشركات المعنية لعقوبات أميركية أو عقوبات أممية، وهي قضايا مبدئيّة لكن يمكن لتدوير الزوايا الذي سيقوم به الأميركي أما إيجاد حلول وسط لها، أو تقديم رسائل ضمانات منفصلة لكل من الطرفين تبدّد مخاوفه اتجاهها.
ــ السؤال الجوهريّ الذي يجب طرحه هو، هل نحن أمام تفاوض ساخن محكوم بسقف العودة الى الاتفاق بعد استنفاد فرص تحسين الشروط، أم أن ثمة ما جرى داخل الكيان من متغيّرات سياسية في التوازنات فرض التراجع عن الموافقة على الاتفاق، ووجد هذا التراجع بالطلبات اللبنانية ذريعة للتراجع، أم أن ما يجري هو محاولة لتأجيل التوقيع على الاتفاق لما بعد الانتخابات الإسرائيلية بذريعة التجاذب الذي يستهلكه السعي لتذليل نقاط الخلاف، على قاعدة التسليم بأهميّتها وجوهرية بعضها، والجواب ينطلق من أصل العناصر التي أدّت للاتفاق، ومدى صلابة وثبات حضورها، وهي بالأصل ترتكز على قاعدتين، الأولى السعي لتوفير موارد عاجلة من الطاقة لأوروبا يمكن حقل كاريش توفيرها، والثانية تفادي نشوب حرب لا يمكن التحكم بمسارها تشعل المنطقة، فيما العالم منشغل بحرب كبرى في أوكرانيا، وتوقف خطوط التجارة ونقل إمدادات الطاقة في المتوسط في عالم محكوم بأزمات اقتصادية خانقة وشح في موارد الطاقة؟
ــ الجواب أن العناصر التي أفضت الى بلورة عناوين الاتفاق قائمة وثابتة، وأن الجانب الأميركيّ سيبذل كل ما يستطيع من أجل تدوير زوايا الخلافات من جهة، وتقديم رسائل الضمانات حيث يجب من جهة مقابلة، ومساعدة الحكومة الإسرائيلية على تجاوز الأوضاع الداخلية الصعبة من جهة ثالثة، لكن ذلك لن يكون كافياً إذا كانت المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من جهة، والبيئة السياسية الصانعة للقرار من جهة مقابلة، عاجزتين عن توفير الحماية اللازمة للسير بالاتفاق، وتخشيان تكرار مشهد اغتيال اسحق رابين في حال السير بالاتفاق، ولو بصورة مختلفة عن الاغتيالات، قد تكون الانتخابات مسرحاً لها، وما بعد الانتخابات. وفي هذه الحالة يصير السؤال هل تتكفل جولة تصعيد على حافة الهاوية بإعادة إحياء فرص الاتفاق، أم أن الحرب تصبح ممراً إلزامياً؟
ــ كل شيء يقول إن تفادي الحرب لا يزال أولوية الإدارة الأميركية والمؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية، والترجمة في اتفاق اميركي اسرائيلي مواز لاتفاق الترسيم يضمن التزامات اميركية في مصادر القلق الاسرائيلي، ما يعني رفع السعر الإسرائيلي أميركياً لقاء السير بالاتفاق.
ــ المقاومة في كل حال لا تحتاج للإعلان على الطريقة الإسرائيلية عن رفع الجهوزية، فهي جاهزة منذ اليوم الأول لدخولها على خط ملف الغاز والنفط، ولن تتأخر عن توجيه رسائلها الميدانية عندما يكون ذلك لازماً، ولن تتراجع عن معادلة منع الاستخراج من كاريش ما لم ينل لبنان مطالبه، ولو اقتضى الأمر حرباً.