يا أيُّها الإنسان… تريّث قبل أن تنشر!
} سيدة آلاء ميرزادة
شهدت الدولة الإسلامية الإيرانية في الآونة الأخيرة الكثير من الأحداث التّي عصفت بأمن المُجتمع وأمانه، واستقبل البلد أعمال الشغب والفوضى، حالة ما أشبه بالثورة المؤقتة التي أتت بمثابة الاعتراض على هذه الأحداث.
مهسا أميني، الهاشتاغ الّذي أصبح عالمياً على كافة شبكات التواصل الاجتماعي، والّذي تسبّب في انقسام العالم إلى نصفين، منهم من يرى أنّ ما فعلتهُ المجموعة المعنيّة بأمور الإرشاد والتوجيه الديني ـ المُجتمعي (شت ارشاد) كان عبارة عن ظُلم وجريمة بحق الإنسانية لا تُغتفر. بينما تمسك البعض الآخر بأهمية الحياد في مثل هذا الوضع، والتروّي قبل نشر الأخبار التّي قد تُسبّب الفتنة بين الشعب وترمي بالبلاد من حافة الهاوية إلى وادي الخراب. لكن! قبل إبداء الحُكم على هذه القضية أليس من التعقُل التريُث والتفكُر في ما حصل، ودراسة الجريمة بعمق قبل تحديد من هو الجاني ومن هو المجني عليه؟
بالعودة إلى اللَّحظة التّي ألقت فيها هذه المجموعة القبض على المواطنة «أميني»، وفقدت الفتاة وعيها ثُمّ دخلت في غيبوبة لتُفارق الحياة من بعدها في إحدى مُسشتفيات إيران! تكاثرت الفرضيات وتعدّدت أسبابها ولحدّ الآن لا آحد يعلم بالتحديد ما الّذي حصل وكيف آلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم. لذا كيف يستطيع أيُّ مواطن أن يتحدّث بالقضية ويرمي التهم العشوائية على هذا وذاك دون وجود أيّ دليل ثابت يُذكر يُدين الجاني على ما اقترفه من ذنب؟ في مثل هذه الحالة، تُبرهن لنا الحياة الإلكترونية أنَّها تفتقد المصداقية والحقيقة المحضة. لا يوجد في الزمن الحالي شيء أسهل من رجم الآخرين ولو بحجارة الكلمة وإفشاء الفتن كما تتفشى الأمراض النفسية والمُجتمعية، وإنْ ظلّ حال الناس كهذا فما هو مصيرُ الحياة؟
لستُ أكتُب هذا الكلام بصدد الدفاع عن الظلم أو الظالم، إنّما من باب المبدأ لا يحقّ لنا رشق التهم دون إثباتات قطعية تحسم مُجريات القضية. فلا ريب أنّ الدين الإسلامي هو قبل كُلّ شيء دين الإنسانية والحقّ، وكما ينص القُرآن الكريم على أهمية عدم قتل النفس بغير حق، واجتناب الفتنة بين الناس، والتدبّر والتعقّل قبل أن يخطو الإنسان أيّ خطوة في الدنيا كي يكون على بينة من عواقب الأمور… حيث انّ اللّه لم يُحرّم شيئاً على عبده دون سببٍ وجيه، فإن تفكّر هذا المخلوق بعُمق المُحرمات لوجد أنَّها جميعها تصبّ في مصلحته، إلّا أنّه ومع الأسف الشديد، أغلب المُجتمعات الحالية لا تنظر إلى هذا الموضوع من هذا المُنطلق.
لقد ضجت كُلّ إيران بهذه الحادثة الأليمة، وساندها في حُزنها العالم بأكمله، وهُنا لا يسعنا سوى أن نترحّم على روح المرحومة «مهسا أميني» ومواساة عائلتها على ما فقدت من قُرّة أعيُن.
أمّا بالنسبة إلى عملية انقطاع الإنترنت في إيران، فهذا الفعل قبل كُلّ شيء دليل على أنّ الدولة لا تُريد للقضية أن تكبر أكثر سيما أنّ أميركا والدول التّي تُعادي الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنتظر هذه الفُرصة على أحرّ من الجمر كي تشوّه صورة الدولة في عين شعبها قبل أيّ شخصٍ آخر. وعلى أيّة حال، فإنّ كُلّ دولة لها نظامها الخاص التّي تتبعُه لتنظيم حياة المُجتمع وأفراده. والدولة التّي تعتمد نظاماً إسلامياً كدولة إيران، فهي تنتظر من شعبها احترام صورة الحجاب ككُلّ، الّذي يُعدّ من النّاحية الدينية كمالاً وستراً للمرأة.
في هذا الخصوص، قدّم المُرشد الأعلى السيد علي الخامنئي في صباح 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 (11/7/1401) تصريحاً، مفادُه:
«إنّ موت الشابة مهسا أميني ترك في قلوبنا جميعاً الكثير من الحزن والأسى. وأنّ ما حصل في الأيام السابقة من أعمال شغب كالاعتداء على المساجد وحرق القرآن الكريم وانتهاك حرمة الحجاب والتهجّم على البنوك وسيارات المارّة في الطريق، فهو أمرٌ مُدبّر ومن المؤكد أنّهُ كان مُخطط بشكلٍ مُسبق لتنفيذه. كما ساهمت هذه الأحداث والفوضى من قبل بعض الأفراد في امتداد حلقات الظُلم التّي مسّت الدولة والأمن الداخلي والمجموعات المعنية بأمور التنظيم المُجتمعي في إيران، إلّا أنّهُ وعلى الرُغم من كلّ ذلك، تمكّنت الدولة الإيرانية من الصمود بصلابة وكانت كسابق عهدها قوية ومُتمكنة من تدارك الأمر، ولا شكّ لديّ أنّها سوف تبقى على هذا المنهج دائماً، منهجُ الإرادة والقوة في الصراء والضراء».
لقد شبّه سماحتُه إيران بإمام المُتقين علي إبن أبي طالب، من ناحية امتلاكها لكُلّ هذه القُدرات الجمّة في الوقت الذّي تتعرّض فيه للأذى والظُلم على الرُغم من كُلّ الكفاحات والتضحيات التّي تُقدّمها.
في هذا الصّدد، أكدّ السيد الخامنئي أنّ للعدو يداً في ما يحصل اليوم داخل إيران من همجية وفوضى عارمة في البلاد، إلّا أنّهُ قد تساءل فيما إذا كانت الدولة الأميركية أم أيّ دولة خارجية أخرى تُعادي الجمهورية الإسلامية، تتدخل في ظلّ أوضاعٍ كهذه وتقوم بحماية شعبها من الفلتان الأمني كما فعلت إيران! لذلك شدّد على عدم استباق الأحداث واتهام أيّ كان بأمرٍ ما دون إجراء التحقيقات اللازمة في الأمر والتأكد من صحتها على أكمل وجه كي لا يُظلم أحد. وقد كانت جملته الحاسمة أن قال: «باطنُ القضية واضح!».
وبعيداً عن التطرق السياسي لهذا الموضوع، فلا بُدّ والتذكير بأنّ الجمهورية الإسلامية هي من أكثر الدول التّي تُدافع عن حقوق المرأة سواء في الحياة الزوجية أم في مجال الفعاليات التّي تسعى المرأة لإنجازها في المُجتمع ضمن قدراتها العلميّة والعمليّة.
أدعو كُلّ إنسان في العالم إلى عدم تصديق كُلّ ما يتمّ نشره على مواقع التواصل الاجتماعي قبل التحقيق في أمر المنشور ظاهرهُ وباطنُه، كي لا يندم لاحقاً إذا تبيّن لهُ أنّ ما كان يعتقدهُ هو الصواب بعينه لم يكُن سوى محض هراء لا أساس له من الصحة.