حرب تشرين التحريرية
} رنا العفيف
شهد السادس من تشرين الأول سنة 1930 مولد بطل الأمة، وشهد السادس من تشرين الأول سنة 1973 موت الأسطورة الصهيونية، وشتان ما بين الحياة والموت…
وفي ست ساعات عربية، ست من الضربات هوت النجمة السداسية وتناثرت شظايا أوهام، تحوّل العمل والتصميم إلى طلقات بندقية، وتحوّلت الإرادة الحديدية إلى نسور تدكّ عمق العدو وتذيقه من علقم الطعم ما لا يستسيغ.
كان تشرين يجلب لقرية سفوح الجبال ربيعاً في غير وقته حيث لا ربيع، وإذ تشرين يجلب لقمة الشيخ وسفوح جباله ربيعاً آخر لم نره منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، ربيعاً في غير وقته وعلى غير عادته، ربيعاً ما أجمله يمتزج فيه الثلج الأبيض بدم الشهيد في قمم جبل الشيخ، وتسحق الأسطورة «الإسرائيلية» وتتحطم وتترمّد الكلمات في حلوق قادة العدو، ويتساءل قادتهم: كيف ومتى وأين… فلماذا؟
أسئلة تتوارد ولا جواب، فقد كانت الأجوبة تأتي رصاصاً وإصراراً فتترجم نصراً، يتلوه الآخر…
أجل انتصر الإنسان العربي على ذاته، وانطلق خلف ما يخفي العدو من العيوب يتلمّسها ويزيّنها، ويكشف فيها الثغرات التي ينفذ منها إليه فما كان إلا أن انتصر على هذا العدو يوم انطلقت رصاصة النصر من تشرين وهي التي كانت تعتقد وقادتها أنّ العرب ليس باستطاعتهم الوقوف بوجه «إسرائيل»…!
لقد كان هذا اليوم العاشر من رمضان والسادس من تشرين الأول سنة 1973 يوماً مشهوداً ودرساً موعوداً لن ينساه «الإسرائيليون»، فقد كانت الجيوش العربية تتوغل في العمق مبدعة وكأنّ الأرض قد عرفت أقداماً عربية تتقدّم إلى النصر والتحرير، وكأنّ الأرض على موعد مع الأبطال، موعد أبدي سيطول ويطول إلى لا نهاية.
قبل بدء عمليات حرب تشرين التحريرية كانت الاستعدادات تتخذ بحذر وتخطيط محكم لا يسمح بوقوع الحوادث التي من شأنها تنبيه العدو لحظة مع ذلك العدو الذي كان قد وضع في الحسبان أنّ العرب بعد عدوان حزيران لن تقوم لهم قائمة.
والحقيقة أنه لم يكن من أحد يعلم متى تكون (الساعة الصفر) إلا الرئيسين حافظ الأسد وأنور السادات، كانت كلّ الترتيبات قد أعدّت بجاهزية قتالية عالية جداً ومعنويات مرتفعة، حتى وصل الأمر إلى أحد الضباط، طلب من الجنود عند بدء المعارك الإفطار (فقد كان الشهر رمضان) ولكن الجنود لم يفطروا بل أصروا على صيامهم وانهم لن يفطروا إلا في الأرض التي يتقدّمون إليها محرّرين او يكون الإفطار في الجنة، وهذه المعنويات العالية والثقة بالنفس لم يكن الجندي ليتوصل إليها لولا ثقته بقيادته وبسلاحه وإيمانه بالهدف الذي يحلم بتحقيقه وقد أصبحت الأسباب والظروف في متناول يده لتحقيقه.
إنّ طبيعة المعركة في الجولان آنذاك قاسية إذ أنّ الجولان أرض صخرية وعرة ذات مرتفعات ووديان تغطيها الحجارة البركانية، مما يجعل سير المدرّعات والمجنزرات صعباً جداً، وبنظرة شاملة لتتبّع سير المعارك في الجبهة السورية، نجد أنّ معركة الجولان كانت أشدّ المعارك ضراوة وشراسة، فقد قاتل العدو «الإسرائيلي» بشراسة لا توصف، وسبب ذلك يعود للحفاظ على مرتفعات الجولان لأنها تعتبر بالنسبة لـ «إسرائيل» موقعاً عسكرياً واستراتيجياً حساساً، حيث أنه يسيطر على مصادر المياه التي تحتاجها فلسطين.
سيطرته وخاصة الجهة الشمالية منه على دمشق، إذ تصبح في مرمى مدفعية العدو البعيدة المدى…
سيطرته وخاصة من الخطوط السورية القديمة الحصينة على سهل الحولة والجليل الأعلى، وشمال فلسطين.
بتخطيط من القيادة السورية الحكيمة وعلى رأسها الرئيس الفريق حافظ الأسد بدأت سورية المعركة، والمقاومة الشعبية، وكانت تضمّ فرق الكوماندس ووحدات المدفعية الميدانية والمدافع المضادة للطائرات وأرتال الدبابات والمصفحات…
وبعد أربع ساعات فقط من بدء المعارك اقتحمت القوات السورية نقاط الدفاع والتحصينات الأمامية للعدو، وقامت قوات الكوماندس وهي فرق مختارة من الجيش السوري، بتحرير موقع جبل الشيخ (قصر عنتر) يشرف على دمشق والبقاع وفلسطين وجنوبي لبنان وكانت قد أنزلت من طائرات مروحية ونشبت بينها وبين العدو معارك ضارية وبالسلاح الأبيض، وعندما هبط ليل اليوم الأول كانت القوات السورية قد نفذت خطكها بنجاج…
وبعد بدء المعارك بساعات قليلة، ظهر القائد حافظ الأسد ببزته العسكرية على شاشة التلفزيون، كان ظهوره ثقة للنفس وعاملاً قوياً في تحريض آلاف الشباب للتوجه إلى ساحة القتال، لقد أعدّ هذا القائد نفسه للمعركة وأعدّ الجيش ليشاطره النصر وأعدّ الشعب ليكلله بالغار…